منتديات مبارك
السلام عليكم ، ، نرجو أن تكون في تمام الصحة والعافية.

Rejoignez le forum, c’est rapide et facile

منتديات مبارك
السلام عليكم ، ، نرجو أن تكون في تمام الصحة والعافية.
منتديات مبارك
Vous souhaitez réagir à ce message ? Créez un compte en quelques clics ou connectez-vous pour continuer.
Rechercher
 
 

Résultats par :
 


Rechercher Recherche avancée

Derniers sujets
» عيد ميلاد سعيد
نصوص فلسفية EmptyAoût 30th 2010, 7:59 pm par dabbour

» مجموعة مختارة من الألعاب الخفيفة من رفع الاعضاء .. بمساحات صغيرة على اكثر من سيرفر
نصوص فلسفية EmptyAoût 29th 2010, 2:09 am par selmifaicel

» PERMUTATION
نصوص فلسفية EmptyAoût 27th 2010, 3:09 pm par KHALED

» الرجاء دعوة لتسجيل فى موقع tunisia sat
نصوص فلسفية EmptyAoût 22nd 2010, 7:11 pm par dabbour

»  20طريقة لنشر الموقع و كسب الزوار
نصوص فلسفية EmptyAoût 17th 2010, 12:36 pm par KHALED

» مكتبة ألعاب الفايس بوك !!!!!
نصوص فلسفية EmptyAoût 17th 2010, 12:10 pm par Admin

» أسهل طريقة في العالم لحفظ القرآن الكريم
نصوص فلسفية EmptyAoût 17th 2010, 12:01 pm par houcem

» كلمة مستحيل يكتبها الكمبيوتر؟؟؟؟؟!!!!!
نصوص فلسفية EmptyAoût 16th 2010, 5:24 pm par Admin

» All In One 160 Top Programs CD
نصوص فلسفية EmptyAoût 13th 2010, 2:17 pm par Admin

منتدى
ton lien
التبادل الاعلاني
احداث منتدى مجاني
-55%
Le deal à ne pas rater :
Coffret d’outils – STANLEY – STMT0-74101 – 38 pièces – ...
21.99 € 49.04 €
Voir le deal

نصوص فلسفية

2 participants

Aller en bas

نصوص فلسفية Empty نصوص فلسفية

Message  Admin Février 8th 2010, 8:42 pm

الوعي و اللاوعي

ها إن الناس جميعا أو يكادون، يتفقون على إكساب كل ما هو نفسي سمة عامة تعبر عن جوهره ذاته، وهذا أمر غريب. هذه السمة الفريدة، التي يتعذر وصفها، بل هي لا تحتاج إلى وصف، هي الوعي. فكل ما هو واع نفسي، وعلى عكس ذلك فكل ما هو نفسي واع. وهل ينكر أمر على هذا القدر من البداهة ؟ ومع ذلك فلنقر بأن هذا الأسلوب في النظر قلما وصّح لنا ماهية الحياة النفسية إذ أن التقصي العلمي يقف ههنا حسيرا، ولا يجد للخروج من هذا المأزق سبيلا. (...) فكيف ننكر أن الظواهر النفسية خاضعة خضوعا كبيرا للظواهر الجسديُة، وأنها على عكس ذلك تؤثر فيها تأثيرا قويا ؟ إن أرتج الأمر على الفكر البشري، فقد أرتج عليه يقينا في هذه المسألة، وقد وجد الفلاسفة أنفسهم مضطرين لإيجاد مخرج، إلى الإقرار على الأقل بوجود مسارات عضوية موازية للمسارات النفسيّة ومرتبطة بها ارتباطا يعسر تفسيره (...) وقد وجد التحليل النفسي مخرجا من هذه المصاعب إذ رفض رفضا قاطعا إن يدمج النفسي في الواعي . كلا، فليس الوعي ماهية الحياة النفسية، وإنما هو صفة من صفاتها، وهي صفة غير ثابتة، غيابُها أكثر بكثير من حضورها.

(...) ولكن يقي علينا أيضا أن ندحض اعتراضا. فرغم ما ذكرناه من أمور يزعم فريق من الناس أنه لا بجدر بنا أن نعدل عن الرأي القائل بالتماهي بين النفسي والواعي، إذ أن المسارات النفسيّة الني تسمى لا واعية قد لا تكون سوى مسارات عضوية موازية للمسارات النفسية. ومن ثمّ فكأنّ القضية التي نروم حلها لم تعد إلا مسألة تعريف لا طائل تحتها (...) فهل من باب الصدفة المحض أننا لم نصل إلى إعطاء الحياة النفسية نظرية جامعة متماسكة إلا بعد أن غيّرنا تعريفها ؟

وفوق هذا علينا أن نتجنّب الاعتقاد بأن التحليل النفسي هو الذي جدد نظرية الحياة النفسية هذه .(...) فقد كان مفهوم اللاشعور يطرق منذ أمد طويل باب علم النفس، وكانت الفلسفة كما كان الأدب يغازلانه، ولكن العلم لم يكن يعرف كيف يستخدمه. لقد تبنى التحليل النفسي هذه الفكرة، وأولاها كل عنايته وأفعمها بمضمون جديد. ولقد عثرت البحوث التحليليّة النفسيّة على خصائص للحياة النفسيّة اللاواعية لم تكن قبل ذلك متوقعة، وكشفت بعض القوانين التي تتحكم فيها. ولسنا نقصد من ذلك أن سمة الوعي قد فقدت من قيمتها في نظرنا. فما زال الوعي النور الوحيد الذي يسطع لنا ويهدينا في ظلمات الحياة النفسية. ولما كانت معرفتنا ذات طبيعة مخصوصة، فان مهمتنا العلمية في مجال علم النفس ستتمثل في ترجمة المسارات اللاواعية إلى مسارات واعية حتى نسد بذلك ثغرات إدراكنا الواعي.
فرويد

" مختصر في التحليل النفسي "

***
مهمة الأنا

ثمة قول مأثور ينصح الإنسان بألاّ يخدم سيدين في آن واحد. و الأمر أدهى وأسوأ بكثير بالنسبة إلى الأنا المسكين إذ عليه أن يخدم ثلاثة أسياد قساة، وهو يجهد نفسه للتوفيق بين مطالبهم . وهذه المطالب متناقضة دوما، وكثيرا ما يبدو التوفيق بينها مستحيلا، فلا غرابة إذن أن يخفق الأنا غالبا في مهمته . وهؤلاء المستبدون الثلاثة هم العالم الخارجي والأنا الأعلى و الهو، وحين نعاين ما يبذله الأنا من جهود ليعدل بين الثلاثة معا، أو بالأحرى ليطيعهم جميعا، لا نندم على أننا جسمنا الأنا وأقررنا له بوجود مستقل بذاته ، إنه يشعر بأنه واقع تحت الضغط من نواح ثلاث، وأنه عرضة لثلاثة أخطار متباينة يرد عليها، في حال تضايقه ، بتوليد الحصر. وبما أنه ينشأ أصلا عن تجارب الإدراك ، فهو مدعوّ إلى تمثيل مطالب العالم الخارجي ، غير أنه يحرص مع ذلك على أن يبقى خادما وفيّا للهو، وأن يقيم وإياه على تفاهم ووفاق ، وأن ينزل في نظره منزلة الموضوع ، وأن يجتذب إليه طاقته الليبيدية. وكثيرا ما يرى نفسه مضطرا ، وهو الذي يتولى تأمين الاتصال بين الهو و الواقع ، إلى التستر على الأوامر اللاّشعورية الصادرة عن الهو بتبريرات قبل شعورية وإلى التخفيف من حدة المجابهة بين الهو والواقع ، وإلى سلوك طريق الرّيــّاء

الدبلوماسي و التظاهر باعتبار الواقع ، حتى وإن أبدى الهو تعنتا وجموحا. ومن جهة أخرى، فان الأنا الأعلى القاسي ما يفتأ يراقبه ويرصد حركاته، ويفرض عليه قواعد معينة لسلوكه غير مكترث بالصعاب التي يقيمها في وجهه الهو والعالم الخارجي . وإن اتفق أن عصى الأنا أوامر الأنا الأعلى عاقبه هذا الأخير بما يفرضه عليه من مشاعر أليمة بالدونية والذنب . على هذا النحو يكافح الأنا، الواقع تحت ضغط الهو و الرازح تحت نير اضطهاد الأنا الأعلى والمصدود من قبل الواقع ، يكافح الإنجاز مهمته الاقتصادية و لإعادة الانسجام بين مختلف القوى الفاعلة فيه والمؤثرات الواقعة عليه . ومن هنا نفهم لماذا يجد الواحد منا نفسه مكرها في كثير من الأحيان على أن يهتف بينه وبين نفسه:" آه، ليست الحياة بسهلة".
فرويد

" محاضرات جديدة في التحليل النفسي "

منهج التحليل النفسي

بدل الإلحاح على المريض بأن يذكر شيئا عن موضوع بعينه ، أصبحت أحثه على الاستسلام ل" تداعياته الحرة "، أي ذكر كل ما يخطر بذهنه حين يمتنع عن متابعة أي تمثل واع وكان لا بد مع ذلك أن يلتزم المريض بذكر كل ما كان يمده به إدراكه الباطني ، وبعدم الانسياق وراء الاعتراضات النقدية التي تريده على استبعاد بعض الخواطر بحجة أنها ليست هامة بالقدر الكافي أو أنه لا حاجة إلى مثولها أو كذلك بحجة أنه لا معنى لها إطلاقا، ولا حاجة إلى الإلحاح في التذكير صراحة بمطلب الصدق ، إذ هو شرط العلاج التحليلي .

قد يبدو عجيبا أن تكون طريقة التداعي الحر هذه ، المقترنة بتطبيق القاعدة الأساسية في التحليل النفسي ، قادرة على أن تحقق ما ينّتظر منها، أي على أن ترجع إلى الوعي القوى المكبوتة والباقية في حالة الكبت بفعل المقاومات . ومع ذلك ، لا بد من اعتبار أن التداعي الحر ليس في حقيقة الأمر حرا، فالمريض يبقى تحت تأثير الوضع التحليلي ، حتى عندما لا يوجه نشاطه الذهني نحو موضوع معيّن . ويحق لنا أن نفترض أنه ما من شيء يعرض للمريض إلا وله صلة بهذا الوضع ، وتظهر مقاومته ضد عودة المكبوت على نحوين . تظهر أولا في تلك الاعتراضات النقدية التي تتصدى لها القاعدة الأساسية في التحليل النفسي ، ولا يتغلب على هذه العوائق بفضل مراعاة هذه القاعدة إلا وتجد المقاومة عندئذ تعبيرة أخرى، فتمنع المكبوت من أن يخطر أبدا ببال المحلل ، ولكن يحل مكانه ، على سبيل التلميح ، شيء له صلة بالمكبوت ، وكلما عظمت المقاومة، بعدت الشقة بين الفكرة البديلة القابلة للتبليغ و بين ما نبحث عنه بالذات. فالمحلل النفسي الذي يصغي في هدوء و تأمل ، دون إجهاد، والذي له من الخبرة ما يعده للآتي ، يستطيع أن يستخدم المعطيات التي كشف عنها المريض، وذلك في إحدى وجهتين ممكنتين : فإما أن يستدل من التلميحات على المكبوت إن كانت المقاومة ضعيفة؛ أما إن كانت المقاومة اشد: فإنه يقدر على تبيّن نوعها عبر التداعيات التي تبدو متباعدة عن الموضوع ، وإذ ذاك يفسر تلك المقاومة للمريض. إلا أن الكشف عن المقاومة هو الخطوة الأولى في سبيل التغلب عليها، وهكذا، وفي إطار العمل التحليلي ، هنالك تقنية في التأويل لا بد للنجاح في استخدامها من فطنة ومران ، ومع ذلك ليس من العسير اكتساب هذه التقنية، إن طريقة التداعي الحر لها من المزايا الهامة ما تفضل به على الطريقة التي سبقتها، ولا تقتصر على مزية الاقتصاد في الجهد، فهي تتجنب كل ضغط على المريض ، بأكثر قدر ممكن ، ولا تفقد أبدا الصلة بالواقع الحاضر، وتوفر إذن أكبر الضمانات لكي لا يفلت أي عامل يدخل في بنية العصاب ولا يقحم فيها ( المحلل ) أي شيء من انتظاراته الخاصة. وباستخدام هذه الطريقة، نرجع بالأساس إلى المريض لتحديد سير التحليل وتنظيم المعطيات ، الأمر الذي يجعل من المستحيل في التحليل الاهتمام بشكل منظم ومطرد بكل واحد من الأعراض والعقد المعزولة. وعلى العكس تماما مما يجري قي الطرق التنويمية و" التحضيضية "، فإننا نكتشف مختلف القطع المكوّنة للمجموعات في أوقات وأمكنة مختلفة أثناء العلاج .

فرويد

" حياتي و التحليل النفسي "

***

المحتوى الظّاهر للحلم ومحتواه الكامن

إن الأحلام كلها غير غريبة عن الحالم ، ولا هي مفهومة لديه ولا واضحة. فلو انكببتم على النظر في أحلام الأطفال الصغار - منذ أن يبلغوا من العمر عاما ونصف العام - لوجدتموها بسيطة جدا، سهلة التفسير، فالطفل الصغير يحلم دائما بتحقيق رغبات أنشأها في نفسه اليوم السابق دون إشباعها. ولا نحتاج إلى كبير تخمين لنتوصل إلى هذا الحلّ البسيط ، بل يكفي أن نعلم ما مر بالطفل في اليوم السابق .

[ وقد يعترض بعضهم فيقول :] إن أحلام الكهول لا تفهم في الغالب ولا تشبه إلا قليلا تحقيق الرغبة. فنجيب : ذلك أنها تغيرت ملامحها وتنكرت . والفرق في أن منشأها النفسي مختلف شديد الاختلاف عن الصورة التي تبدو عليها. ولهذا وجب أن نميز بين أمرين : الحلم كما يبدو لنا وكما نستحضره في الصباح غامضا إلى حد أننا نجد غالبا بعض العناء في روايته وترجمته إلى كلمات . وهذا ما سنسميه المحتوى الظاهر للحلم ، هذا من جهة، ثم إن لنا مجموعة التصورات الكامنة للحلم ، التي نفترض أنها تتحكم في الحلم في قرار اللاشعور نفسه ، من جهة أخرى. وعملية التشويه هذه هي نفسها التي تتحكم في نشأة الأعراض الهستيريّة. فتكون الأحلام ينتج إذن عن نفس التقابل الذي بقع بين القوى النفسية عند تكون الأعراض .

" المحتوى الظاهر " للحلم هو بديل محرّف من التصوّرات الكامنة للحلم ، وهذا التحريف هو من عمل " الأنا " المدافع عن نفسه . ويتولد التحريف عن عمليات مقاومة تحبر على الرغبات اللاّشعورية تحجيرا مطلقا الدخول إلى حيّز الشعور في حالة اليقظة. لكن هذه القوى - رغم أن النوم يضعفها - ما يزال لها من القدرة ما يجعلها تفرض ، على الأقل على الرغبات ، قناعا يخفيها. وليس الحالم أقدر على فك معنى أحلامه من الهستيري على التعمّق في دلالة أعراضه .

فرويد

"خمسة دروس في التحليل النفسي"

***

الرجة

إن اللقاء بالتحليل النفسي يرج رجة هائلة من تكون في الفينومينولوجيا والفلسفة الوجودية وفي سياق التجديد في الدراسات الهيغلية وفي البحوث ذات المنحى اللغوي . إذ لا يتعلق الأمر بالمساس بهذا الموضوع أو ذاك من مواضيع التفكير الفلسفي وإعادة النظر فيها، بل إن كل المشروع الفلسفي هو المستهدف في ذلك . فالفيلسوف المعاصر يلتقي بفرويد غير بعيد عن نيتشه ولا عن ماركس ، فيقف ثلاثتهم أمامه أقطاب الظنة وكاشفي الأقنعة. وينشأ مشكل جديد وهو مشكل زيف الوعي ومشكل الوعي باعتباره زيفا. ولا يمكن أن يظل هذا المشكل مشكلا مخصوصا من بين مشاكل أخرى إذ أن ما ينبغي إعادة النظر فيه بوجه عام وجذري إنما هو ما يبدو لنا، نحن معشر فلاسفة الفينومينولوجيا، مجال كل دلالة، وأساسها، بل أصلها، وأعني الوعي . وينبغي أن يبدو لنا ما كان أساسا، في معنى ما، حكما مسبقا، في معنى آخر، هو الحكم المسبق للوعي . وهذا الوضع شبيه بوضع أفلاطون في كتابه : (السفسطائي )، فقد بدأ برمينيديا ، مدافعا عن ثبات الوجود، غير أنه اضطر، بعد ذلك ، بسبب لغز الخطأ والظن الخاطئ ، لا فقط إلى الإقرار باللاوجود باعتباره واحدا من " الأجناس الكبرى " فحسب بل وخاصة إلى التصريح بأن " مسألة الوجود غامضة غموض مسألة اللاّوجود " ؛ إن المرء ليضطر إلى الاكتفاء بمثل هذا الإقرار فيقول : " إن مسألة الوعي غامضة غموض مسألة اللاوعي ".

إنما هذا النفس المشوب بالظّنة إزاء ادعاء الوعي معرفة ذاته منذ البدء هو باب الفيلسوف ، يدخل منه ، لينضم إلى الأطباء النفسيين والمحللين النفسيين . فإذا كان لزاما علينا، آخر الأمر، أن نسلم بتلازم الوعي واللاوعي ، وجب قبل ذلك اجتياز صحراء الإقرار المزدوج : " لا أفهم اللاوعي انطلاقا مما أعرف عن الوعي ، و لآب حتى مما قبل الوعي " . ثم مباشرة : " ما عدت قادرا حتى على فهم الوعي " تلك هي المزية الكبرى لما هو الأبعد في مناهضة الفلسفة وما هو الأبعد في مناهضة الفينومينولوجيا لدى فرويد، وأعني وجهة النظر الموضعية و الاقتصادية مطبقة على مجموع نشاط الجهاز النفسي ، كما يبدو لنا في مقاله الشهير المتعلق بالميتابسيكولوجيا وقد خصصه للحديث عن اللاوعي . و لا يمكن أن نتبين مسائل تغدو فينومينولوجية من نوع : كيف علي أن أعيد التفكير في مفهوم الوعي وأعيد صياغته حتى يغدو اللاوعي الأخر بالنسبة إليه ، وحتى يكون الوعي متسعا للأخر الذي ندعوه هنا اللاوعي ، إلا انطلاقا من هذه الحيرة الفينومينولوجية المقضة.

أما السؤال الثاني فهو : كيف يمكن ، من جهة أخرى، أن ننقد - نقدا بالمعنى الكانطي -أي التفكير في شروط الصلاحية وفي حدود ها أيضا - ما يتعلق " بالنماذج " التي على المحلل النفسي أن بقيمها وجوبا إذا ما رام البرهنة على اللاوعي ؟ وهذا ما يجعل إنشاء إيبستمولوجيا التحليل النفسي مهمة متأكدة إذ ليس بوسعنا الاكتفاء بالتمييز بين المنهج والمذهب ، كما كان عليه الأمر منذ عشرين سنة، فنحن نعلم اليوم أن " النظرية " في العلوم الإنسانية، ليست إضافة عارضة لأنها " جزء من تركيب " الموضوع نفسه ، بل هي " مكونه الأساسي ". فلا ينفصل اللاوعي بما هو واقع عن النموذج الموضعي و النموذج الطاقي و النموذج الاقتصادي ، وهي النماذج التي تحكم النظرية. " فما وراء علم النفس "، إذا ما استعرنا عبارة فرويد نفسه ، هو المذهب ، إن شئنا، غير أنه المذهب بما هو قادر على أن يجعل إنشاء الموضوع ممكنا. فالمذهب هنا هو المنهج .

و السؤال الثالث ، بعد مراجعة مفهوم الوعي التي فرضها علم اللاوعي ، وبعد نقد "نماذج " اللاوعي ، يدور على النظر في إمكانية قيام أنثروبولوجيا فلسفية قادرة على الاضطلاع بجدلية الوعي و اللاوعي . وفي إطار أية رؤية للعالم و للإنسان يمكن تصور هذا الأمر ؟ وما عصى الإنسان حتى يكون مسؤولا عن التفكير تفكيرا سليما وقادرا على الجنون في آن واحد ؟ وحتى يكون مجبرا، بما فيه من إنسانية، على مزيد الوعي وقادرا على أن يندرج في سياق موضعي وفي سياق اقتصادي، من حيث أن " شيئا ما يحركه " فأية نظرة جديدة لهشاشة الإنسان - بل للمفارقة القائمة بين المسؤولية و الهشاشة - يقتضيها فكر ارتضى أن ينزاح عن مركزية الوعي بالتفكير في اللاوعي ؟

بول ريكور

" سجالالتأويلات"

***

إن الأطروحة الفرويدية عن أسبقية الرغبة أساسية من أجل إعادة صياغة الكوجيتو: فقبل أن تتحدد الذات شعوريا وإراديا كانت أصلا محددة في الكائن على المستوى الغرائزي وتعني أسبقية الغريزة هذه بالنسبة للوعي والإرادة أولوية الـ ( أنا موجود) على الـ (الأنا أفكر) وينتج عن ذلك تفسيرا للكوجيتو أقل مثالية وأوثق صلة بالوجود: إن فعل الكوجيتو المحض بوصفه يطرح نفسه بصفة مطلقة هو حقيقة مجردة و خاوية بقدر ما هي دامغة.

وهكذا يجب الاضطلاع بيقينية الكوجيتو و بطابعه الارتيابي غير المحدود معا فالكوجيتو هو في آن واحد اليقين القاطع بأنني موجود و سؤال مفتوح بالنسبة لوجودي.

إن الوظيفة الفلسفية للفرويدية هي إقامة مسافة بين يقينية الكوجيتو المجردة وإعادة اكتشاف حقيقة الذات العينية وفي هذه المسافة ينزلق نقد الكوجيتو المزيف وتفكيك أوثان الأنا التي تقيم حاجزا بين الأنا وبين أنا ذاتي.

بول ريكور

***

الإنسان وعي بالذات.إنه وعي بذاته وعي بحقيقته وبكرامته الإنسانية.وبهذا فهو يختلف جوهريا عن الحيوان ،الذي لا يتجاوز مستوى "الإحساس" البسيط بذاته.ولكي يحصل الوعي بالذات فإن على الرغبة أن تتعلق بموضوع غير طبيعي، بشيء يتجاوز الواقع المعطى.

إن الرغبة الإنسانية المولدة للإنسان والمكونة لفرد حر وتاريخي وواع بفرديته وحريته وتاريخه تختلف إذن عن الرغبة الحيوانية[المكونة لكائن طبيعي يحيا فحسب ولا يملك سوى الإحساس بحياته] باعتبارها تتعلّق برغبة أخرى وليس بموضوع واقعي و"ايجابي" ومعطى..

وحتى يكون الإنسان حقيقة إنسانية،ولكي يتميز جوهريا وواقعيا عن الحيوان فإنه ينبغي أن تقضي رغبته الإنسانية فعليا على رغبته الحيوانية .بيد أن كل رغبة هي رغبة في قيمة ما.فالقيمة العليا للحيوان هي حياته الحيوانية.وكل رغباته في آخر التحليل هي حصيلة رغبته في البقاء.وبعبارة أخرى، الإنسان لا "يؤكد"إنسانيته إلا إذا خاطر بحياته [الحيوانية] في سبيل رغبته الإنسانية، من خلال هذه المخاطرة وبواسطتها تتأكد أي تنكشف وتتبين ويتم اختبارها وتثبت أدلتها بما هي مختلفة جوهريا عن الحقيقة الحيوانية الطبيعية...

ألكسندر كوجيف: مقدمة لقراءة هبغل.

***
الأنا

لا أعرف بعد ما أنا إياه ، أنا المتيقن من كوني أوجد... لذلك سأنظر في ما اعتقدت أني إياه فما الذي اعتقدت من قبل أني إياه, لقد اعتقدت دون صعوبة أني إنسان و لكن ما معني إنسان ؟ ... سأعتبر أولا أن لي وجها و يدين و ذراعين وكل هذه الآلة المركبة من العظام واللحم مثلما تظهر ضمن جثة وهي الآلة التي أطلق عليها اسم الجسم. و سأعتبر إضافة إلي ذلك أني أتغذى وأمشي وأحس وأفكر و سأرجع كل هذه الأفعال إلى النفس ولكني لا أتوقف مطلقا عن التفكير في ما يمكن أن تكونه النفس... أما بخصوص الجسم فإني ما كنت مطلقا أشك في طبيعته لأني كنت أعتقد في معرفة طبيعته بتمييز قوي إذا شئت أن أعبر عنها... أمكنني وصفها على النحو التالي: أعني بكلمة جسم كل ما يقبل أن يتحدد ضمن شكل ما وكل ما يقبل أن يتضمن في مقر ما وأن يملأ فضاء على نحو يقصي كل جسم آخر, وما يقبل أن يحس إما لمسا و إما إبصارا و إما سماعا و إما تذوقا و إما رائحة, و ما يقبل أن يتحرك و في وجوه عديدة لا بذاته و إنما بواسطة شيء غريب عنه يلمسه أو ينطبع به... و لكن أي كائن أنا... ؟ هل أستطيع أن أكون متأكدا من أن لي هذه الصفات التي أسندتها منذ حين إلي الطبيعة الجسمانية ؟ لقد توقفت للتفكير في ذلك بانتباه و راجعت كل تلك الصفات في ذهني وأعدت مراجعتها ولكني لم أجد أية صفة أستطيع القول أنها أنا... فلنمر الآن إلي صفات النفس و لنر إن كانت بعض الصفات تقبل أن تكون من الصفات الأولى. ذكرت أني أتغذي وأني أمشي ولكن إذا صح أن لا جسم لي فإنه يكون من الصحيح أيضا أنه لا يمكنني أن أمشي وأن أتغذى ثم ذكرت فعل الإحساس و لكننا لا نستطيع أيضا أن نحس من دون الجسم... و ذكرت كذلك صفة أخرى هي التفكير وأني لا أجد هاهنا أن التفكير صفة تنتمي إليه: فالتفكير وحده هو ما لا يمكن فصله عني... لست إذا على وجه الدقة غير شيء يفكر أي فكر أو ذهن أو عقل... لست إذا هذا التجمع من الأعضاء الذي نسميه الجسم الإنساني... و لكن ما هذا الكائن الذي أنا إياه ؟ إنني شيء يفــــــــكر.

رونى ديكارت: التأملات الميتافيزيقية

***

لقد عودنا التصور الديكارتي على أن ننفصل عن الموضوع. فالموقف التأملي يظهر في الآن نفسه, الفكرة السائدة عن كل من الجسد والنفس, و ذلك بتحديده الجسد على أنه مجموع أجزاء دون عالم داخلي, والنفس على أنها كائن ماثل لدى ذاته المثول كله, دونما بين. إن هذين التحديدين المتلازمين, إذ يرسيان الوضوح داخلنا و خارجنا, يضعاننا أمام شفافية موضوع دون ثنايا, أمام شفافية ذات ليست إلا ما تتصور نفسها عليه. فالموضوع يكون موضوعا والوعي وعيا من جميع الجهات ذلك لأن لكلمة وجود معنيين ليس إلا وهو أن يوجد الشيء باعتباره شيئا أو باعتباره وعيا و على عكس ذلك فإن تجربة الجسد الخاص تكشف لنا نمطا من الوجود المفارق ذلك أني إن حاولت أن أفكر فيه باعتباره جملة من السيرورات منسوبة إلى ضمير الغائب "إبصارا" أو "حركية " أو" جنسانية" اتضح لي أن هذه "الوظائف " لا يمكن أن ترتبط ببعضها ارتباطا سببيا, و إنما هي تتردد على نحو مبهم في مأساة واحدة قد أقحمت فيها إقحاما. فليس الجسد إذا موضوعا, و للسبب نفسه ليس الوعي الذي أحمله عنه فكرا أي أني لا أقدر على تفكيكه وإعادة تركيبه من أجل تكوين فكرة واضحة عنه، ذلك أن وحدته هي دوما وحدة ضمنية ومبهمة. فهو دائما شيئا آخر غير ما هو عليه أو هو دائما جنسانية و في آن حرية, و هو متجذر في الطبيعة في ذات الوقت الذي يتغير فيه بفعل الثقافة, وهو ليس منغلقا أبدا على ذاته ولا متجاوزا. و سواء تعلق الأمر بجسد الغير أم بجسدي الخاص فما من وسيلة لمعرفة الجسد البشري سوي أن أعيشه, أي أن أضطلع بالمأساة التي تتخلله, و أن أمتزج به. فأنا إذا جسدي, على الأقل من حيث أنه لدي مكسب و بالمقابل فإن جسدي هو بمثابة الذات الطبيعية, أو الخطوط العريضة المؤقتة لكياني الشامل هكذا تتعارض تجربة الجسد الخاص مع الحركة التأملية التي تفصل الموضوع عن الذات و تفصل الذات عن الموضوع و التي لا تمنحنا سوي تفكير في الجسد, أو الجسد فكرة, لا تجربة الجسد, أو الجسد واقعا.

موريس ميرلوبنتي فينومينولوجيا الإدراك : قاليمار 1945 ص 230 / 231

***

ليس جسدي موضوعا بين الموضوعات وأشدها قربا. فكيف يقترن بتجربتي كذات ؟ في الواقع التجربتان ليستا منفصلتين : أوجد ذاتيا وأوجد جسديا يمثلان نفس التجربة فأنا لا أفكر من دون أن أوجد , و لا أوجد من دون جسدي , فأنا به أكون معروضا على نفسي والعالم والآخر , و به أنجو من عزلة فكر لا يكون سوى تفكير في الفكر فهو برفضه أن يتركني شفافا بصورة تامة مع نفسي , يرمي بي بلا انقطاع في إشكالية العالم و صراعات الإنسان , و يقذف بي إلى المكان بواسطة إلحاح الحواس و يعلمني الديمومة بواسطة شيخوخته , و يواجهني بالخلود بواسطة موته , فهو يثقل بعبوديته و لكنه في نفس الآن جذر كل وعي و كل حياة روحية , فهو الوسيط الدائم لحياة الفكر .

إمانويل مونييه: الشخصانية ص 19 /20

***

لا أعرف بعد ما أنا إياه ، أنا المتيقن من كوني أوجد... لذلك سأنظر في ما اعتقدت أني إياه فما الذي اعتقدت من قبل أني إياه, لقد اعتقدت دون صعوبة أني إنسان و لكن ما معني إنسان ؟ ... سأعتبر أولا أن لي وجها و يدين و ذراعين وكل هذه الآلة المركبة من العظام واللحم مثلما تظهر ضمن جثة وهي الآلة التي أطلق عليها اسم الجسم. و سأعتبر إضافة إلي ذلك أني أتغذى وأمشي وأحس وأفكر و سأرجع كل هذه الأفعال إلى النفس ولكني لا أتوقف مطلقا عن التفكير في ما يمكن أن تكونه النفس... أما بخصوص الجسم فإني ما كنت مطلقا أشك في طبيعته لأني كنت أعتقد في معرفة طبيعته بتمييز قوي إذا شئت أن أعبر عنها... أمكنني وصفها على النحو التالي: أعني بكلمة جسم كل ما يقبل أن يتحدد ضمن شكل ما وكل ما يقبل أن يتضمن في مقر ما وأن يملأ فضاء على نحو يقصي كل جسم آخر, وما يقبل أن يحس إما لمسا و إما إبصارا و إما سماعا و إما تذوقا و إما رائحة, و ما يقبل أن يتحرك و في وجوه عديدة لا بذاته و إنما بواسطة شيء غريب عنه يلمسه أو ينطبع به... و لكن أي كائن أنا... ؟ هل أستطيع أن أكون متأكدا من أن لي هذه الصفات التي أسندتها منذ حين إلي الطبيعة الجسمانية ؟ لقد توقفت للتفكير في ذلك بانتباه و راجعت كل تلك الصفات في ذهني وأعدت مراجعتها ولكني لم أجد أية صفة أستطيع القول أنها أنا... فلنمر الآن إلي صفات النفس و لنر إن كانت بعض الصفات تقبل أن تكون من الصفات الأولى. ذكرت أني أتغذي وأني أمشي ولكن إذا صح أن لا جسم لي فإنه يكون من الصحيح أيضا أنه لا يمكنني أن أمشي وأن أتغذى ثم ذكرت فعل الإحساس و لكننا لا نستطيع أيضا أن نحس من دون الجسم... و ذكرت كذلك صفة أخرى هي التفكير وأني لا أجد هاهنا أن التفكير صفة تنتمي إليه: فالتفكير وحده هو ما لا يمكن فصله عني... لست إذا على وجه الدقة غير شيء يفكر أي فكر أو ذهن أو عقل... لست إذا هذا التجمع من الأعضاء الذي نسميه الجسم الإنساني... و لكن ما هذا الكائن الذي أنا إياه ؟ إنني شيء يفــــــــكر.

رونى ديكارت: التأملات الميتافيزيقية

***

ليس الفكر الذي يصبح واعيا إلا جزءا طفيفا : لنقل إنه الجزء الأكثر سطحية و رداءة ذلك أن هذا الفكر الواعي فقط ينشأ في شكل كلام أي في شكل علامات تواصل... إن نمو الوعي واللغة متوازيان. و لنضف إلى هذا أن ليست اللغة فقط هي التي تمد جسرا من إنسان إلى آخر ولكن كذلك النظرة و الإيماءة و الحركة.

إن الإنسان الذي اخترع العلامات هو ذاته الذي يحصل له شيئا فشيئا وعي حاد بذاته و إنه لم يتعلم فعل ذلك إلا من جهة ما هو كائن اجتماعي...يبدو لي في ما أرى أن الوعي لا ينتسب في الواقع إلى الوجود الفردي في الإنسان ولكنه ينتسب بالأحرى إلي ما يصنع منه طبيعة اجتماعية و قطيعية: وتبعا لذلك إن الوعي لم ينم بدقة إلا بالنظر إلى النفع الذي يقدمه للمجتمع وإن كلامنا بالضرورة وبصرف النظر عن صدق إرادته في أن يفهم نفسه على نحو فردي قدر الإمكان وأن يعرف ذاته رغم ذلك لم يفعل شيئا آخر عدا حمل ما ليس فرديا إلى وعيه... و في الواقع إن أفعالنا بأسرها شخصية و فريدة في معني ضيق فهذا أمر لا مجال للشك فيه ولكن يكفي أن نعيد ترجمتها إلى الوعي حتى تكف عن أن تكون كذلك...إن طبيعة الوعي... تفيد بأن العالم الذي يمكن أن نكون واعين به ليس إلا عالما سطحيا ومصغرا عالم علامات معمما و مبتذلا وأن كل وعي في الوقت ذاته يكون مسطحا ومصغرا ومختزلا إلى بلاهة السلوك المكرور للقطيع.

تبعا لذلك فإن كل وعي يرتد إلي عملية تعميم و تسطيح و مغالطة أي عملية هدامة بالأساس.

نيـــــــــتشه: العلم المرح

***

إن هذه الآراء ( الفلسفية المتنازعة ) جميعها تشترك في شيء واحد: إنها تفهم الوجود على أنه شيء ما يواجهني بوصفه موضوعا يقف بمعزل عني أثناء تفكيري فيه هذه الظاهرة الأساسية في وعينا هي بالنسبة إلينا واضحة بذاتها لدرجة أننا لا نكاد نرتاب في اللغز الذي تمثله لأننا لا نحاول أن نتفحصه. إن الشيء الذي نفكر فيه و نتحدث عنه دائما شيء مختلف عنا إنه الموضوع الذي نتجه إليه باعتبارنا ذاتا.

فإذا جعلنا أنفسنا داخل موضوع تفكيرنا فإننا نصبح نحن أنفسنا "الآخر", و مع ذلك نظل في الوقت نفسه "أنا " مفكرة تفكر في نفسها, و لكنها لا تستطيع أن تفكر كما ينبغي باعتبارها موضوعا لأنها هي التي تحدد موضوعية الموضوعات جميعا, و نحن نطلق على هذا الشرط الأساسي بالقسمة الثنائية إلي ذات وموضوع, وما دمنا متيقظين واعين فإننا نواجهها دائما. و سواء التوينا أو احتلنا ما شاء لنا الالتواء والاحتيال فإننا واقعون دائما في هذه الثنائية, متجهون دائما نحو موضوع سواء أكان هذا الموضوع هو واقع إدراكنا الحسي أو تصور للموضوعات المثالية, مثل الأعداد والأشكال الهندسية, أو كان توهما, أو حتى تخيلا محالا, إذ تواجهنا الأشياء دائما من الداخل والخارج على السواء تلك الأشياء التي هي مضمون وعينا. فليس ثمة موضوعا بلا ذات أو ذات بلا موضوع كما قال شوبنهاور.

كارل يسبرس: سبيل إلي الحكمة

***

البحث عن المصدر لا يؤسس: إنه يربك ما ندركه ثابتا و يجزئ ما نراه حدا أية قناعة قد تصمد بعد هذا... ؟ نستطيع أن نقول أن المصدر مشدود إلي الجسد و مندرج في منظومته العصبية و في مزاجه و جهازه الهضمي... و ضمن الجسم و خوره أمور موروثة عن أسلاف اقترفوا أخطاء فعندما يحملون النتائج محمل الأسباب و يعتقدون بعالم آخر غير هذا العالم أو يصطنعون قيمة الخلود, أجساد أبنائهم هي التي تدفع الثمن. إن الجبن والنفاق كلاهما نتيجة من نتائج الخطأ لا بالمعنى السقراطي القائل بأن الشر ثمرة الجهل و لا بمعنى ما يقال من انحراف عن الحقيقة الأصلية, بل إن الجسم يحمل في حياته و مماته, في لحظات قوته وضعفه الجزاء الذي يترتب عن كل حقيقة أو خطأ مثلما يحمل بالمقابل مصدره. لماذا أبدع الناس الحياة التأملية؟ و لماذا أولوا هذا النوع من الوجود قيمة علياء ؟ و لماذا عزوا إلي التخيلات المستقاة منه حقيقة مطلقة ؟ يمكن أن نقول عندما تخور قوى الفرد و يحس أنه مريض أو متعب أو محزون أو مظلوم وعاطل بصورة مؤقتة عن كل رغبة سرعان ما يتحول إلى رجل أفضل يصبح أقل خطرا و يمكن لأفكاره المتشائمة ألا تصاغ في قوالب من التأملات يتحول بعدها إلي مفكر و سيعمل خياله في تطوير معتقده الخرافي. قد نعثر فوق الجسد على آثار الحوادث الماضية, لأن الرغبات والإخفاقات منه تتولد و فيه تتعقد عراها ثم تختفي بغتة, بل فيه أيضا تنحل لتدخل في صراع تتلاشى بعده في أثر بعضها, الجسد ساحة لتسجيل الحوادث وتبديدها: إنه المكان الذي تفكك فيه الأنا التي تحاول أن تمنحه شعورا زائفا بوحدة جوهرية إنه حجم يخضع دائما لتفتت مستديم و الجينيالوجيا باعتبارها تحليلا للمصدر تجد نفسها في حال تلاحم مع الجسد و التاريخ. عليها أن تبين أن الجسد ينقشه التاريخ و يخربه التاريــــــــخ.

مـيشال فــوكــو: جينيالوجيا المعرفة

مهما يكن فبصفتنا باحثين عن المعرفة, يحسن بنا أن لا نكون جاحدين تجاه مثل هذه المحاولات التي تقلب آفاق النظر عاليها سافلها, فضلا عن قلبها للتقديرات الشائعة التي طالما جعلت الفكر يغتاظ من نفسه, دون فائدة تذكر و بصورة مستنكرة: لكن رؤية الأمور بصورة مغايرة إرادة المرء في أن يرى الأمور على نحو آخر ليست علما بسيطا ساذجا, أو إعدادا ناقصا يهيأ الذهن لـ" موضوعيته " العتيدة ـ على أن تفهم هذه الموضوعية لا بمعنى " التأمل المجرد " ( فهذا لا معنى له إنه سخافة) بل بما هي ملكة تمكن الذهن من إبقاء ما له و ما عليه ضمن نطاق صلاحياته وتجعله يتصرف عند الحاجة على نحو يمكنه من استخدام هذا التنوع خدمة للمعرفة بما في ذلك آفاق النظر والتأويلات التي تشوبها الميول والأهواء.

فلنلتزم من الآن فصاعدا جانب اليقظة والحذر, حضرات الفلاسفة, حيال تخريف بعض المفاهيم القديمة الخطيرة, هذا التخريف الذي ابتدع " ذاتا عارفة، ذاتا محضا، لا إرادة لها، ولا ألم، ولا تخضع لزمان " ولنحترس من أن تمسنا مجسات بعض المقولات المتناقضة, من نوع " العقل المحض " و " الروحانية المطلقة " و " المعرفة بذاتها ": فهنا يطالب البعض منا دائما أن نفكر بعين لا يمكن تخيلها على الإطلاق بعين ينبغي بأي ثمن أن لا يكون لنظرتها أي اتجاه بعين تكون وظائفها العملية والتفسيرية مقيدة أو غائبة والحال أنه ليس ثمة ما يوفر لفعل النظر موضوعه إلا هي. يطلب منا البعض أن تكون العين شيئا أخرق سخيفا بيد أنه ليس ثمة وجود إلا لرؤية من زاوية معينة لمعرفة من منظور معين و ذلك هو كمال الموضوعية.

نيتشه : جينيالوجيا الأخلاق

المقالة الثالثة الفقرة 12

***

هناك انطباع سائد أنه بمجرد أن قام الإنسان كتشكيل وضعي في حيز المعرفة, كان لابد وأن يزول امتياز الفكر الذي يفكر في ذاته, و كان أن تمكن, ثمة, فكر موضوعي من أن يغطي الإنسان بأكمله وأن يكشف فيه ما لم يكن ليصل إليه فكره أو حتى وعيه, أوليات غامضة, مساحات مظلمة... أطلق عليها مباشرة أو مواربة اسم اللاوعي. أو ليس اللاوعي ما يقع حتما تحت الفكر العلمي الذي يحمله الإنسان في ذاته عندما يكف عن تذكر ذاته ؟

في الواقع لم يكن الوعي, وبنوع عام كل أشكال اللامفكر المكافأة المعطاة لمعرفة وضعية للإنسان. فالإنسان واللامفكر هما على المستوى الأركيلوجي متعامدان. لم يستطع الإنسان أن يكون موضوعا في الإبستمية دون أن يكشف الفكر في الوقت نفسه في داخله و خارجه معا. في هوامشه و صميم نسيجه بالذات جانب مظلم وعمقا يبدو جامدا يغرق فيه, ولا مفكرا يحتويه الفكر بكامله, و لكنه مع ذلك يقع في الوقت نفسه في شراكه. لا يسكن اللامفكر تحت أي اسم كان بل هو بالنسبة للإنسان هو الآخر: الآخر الأخوي أو التوأم, المولود لا منه و لا فيه بل هو إلى جانبه في الوقت ذاته هو في تجدد ممثل لذاته في ازدواجية لا تنقض إن تلك النسخة المظلمة التي يحلو اعتبارها منطقة لجية من طبيعة الإنسان أو قلعة محصنة من تاريخه ترتبط بطريقة مختلفة تماما فهي خارجية و ضرورية في آن بالنسبة إليه. و على أية حال قام اللامفكر بالنسبة للإنسان مقام اللحن المصاحب له الصامت و غير المنقطع, وبما أنه ليس سوى نظير ملحاح, لم يفكر به يوما بشكل مستقل.

ميشال فوكو: الكلمات و الأشياء

***

إن اللوغوس الوحيد الذي يسبق وجوده أي شيء آخر هو العالم نفسه و الفلسفة التي تخرجه إلى الوجود الظاهر لا بدأ بأن تكون ممكنة فهي فعلية أو واقعية كالعالم الذي هي جزء منه و ما من افتراض تفسيري يمكن أن يكون أوضح من ذات العقل الذي به تأخذ من جديد هذا العالم غير المكتمل لكي تحاول إضفاء الطابع الكلي عليه والتفكير فيه... و ليس العالم العقلي مشكلة فلنقل إذا شئنا أنهما يتسمان بالسر بيد أن هذا السر يعرفهما و لا سبيل إلى تشتيتهما بواسطة حل ما لأنهما خارج الحلول جميعا و بهذا المعنى يمكن أن تكون قصة مروية دالة على العالم بعمق لا يقل عن العمق الذي يتصف به بحث في الفلسفة حينئذ نمسك مصيرنا بأيدينا و نصبح مسؤولين عن تاريخنا بتأملنا و كذلك بالقرار الذي نلزم به حياتنا و في الحالتين يتعلق الأمر بفعل عنيف يختبر صدقه بالممارسة.

موريس ميرلوبنتي: تقريض الفلسفة

***

أجمل أو أثمن موضوع في المنظور الشامل للاستهلاك، الموضوع المفجر والأكثر امتلاء بالدلالة هو الجسم... هناك دعاية مستمرة تذكرنا بأنه ليس لنا إلا جسم واحد وأنه يتعين المحافظة عليه و إنقاذه, خلال عهود بذل جهد كبير في إقناع الناس بأنه ليس لديهم جسم أما اليوم فتبذل جهود أخرى لإقناعهم بأهمية جسمهم. هناك شيء غريب في ذلك أليس الجسم هو نفسه ؟ يبدو الأمر ليس كذلك: فمكانة الجسم واقعة تنتمي إلى الثقافة و الحال أنه في أية ثقافة من الثقافات نرى أن نمط العلاقة مع الجسم يعكس نمط تنظيم العلاقة مع الأشياء و مع العلاقات الاجتماعية ذاتها ففي المجتمع الرأسمالي تسري المكانة العامة للملكية الخاصة على الجسم كذلك. وعلى الممارسات الاجتماعية المتعلقة به وعلى التصورات الذهنية التي نكونها عنه. أما في المجتمع التقليدي لدى الفلاح مثلا فلا وجود لاستثمار نرجسي ولا وجود لإدراك حسي تضخيمي للجسم بل هناك فقط رؤية أداتية سحرية للجسم مستخلفة من العمل اليدوي والعلاقة المباشرة مع الطبيعة.

جان بودريار: مجتمع الاستهلاك

***

إن الرائي إذ يغوص في المرئي بواسطة جسده الذي هو نفسه مرئي, لا يستولي على ما يرى: إنه يقربه فقط بواسطة النظرة و يطل على العالم, الذي يكون الرائي جزءا منه و من ناحيته ليس عالما في ذاته أو مادة. و حركتي ليست قرارا من الروح أو فعلا مطلقا يصدر أمره من أعماق العزلة الذاتية, بتغيير ما للموضع يتم بأعجوبة في الامتداد. إنها النتيجة الطبيعية للرؤية و لنضجها الخاص. فأنا أقول عن شيء إنه متحرك. أما جسدي نفسه فيتحرك و حركتي تنتشر, فهي ليست مجهولة لذاتها, و ليست عبئا عن ذاتها, إنها تشع من ذات... واللغز ينحصر في أن جسدي هو في الوقت ذاته رائي و مرئي. إن هذا الجسد الذي ينظر إلى الأشياء كلها, يمكنه أيضا أن ينظر إلى نفسه و أن يتعرف في ما يرى على الجانب الآخر من قدراته الرائية. إنه يرى نفسه رائيا و يلمس نفسه لامسا, فهو مرئي و محسوس بالنسبة إلى نفسه. إنه ذات لا عن طريق الشفافية مثل الفكر الذي لا يفكر في شيء أيا كان دون أن يتمثله وأن يشيده و أن يحوله إلى فكرة. و إنما ذات بواسطة الاختلاط و النرجسية و ملازمة من يرى لما يراه, و من يلمس لما يلمسه, ومن يحس للمحسوس ذات واقعة إذا بين الأشياء, لها وجه وظهر, لها ماض و مستقبل.

ميرلوبنتي: العين و العقل

***

تعترض مفهوم اللاوعي جملة من الصعوبات. تتمثل الأولى في أن نفهم كيف يتمثله علم النفس. واضح أن نسق الغرائز يفلت عن الوعي و يوفر له نتائج دون أسباب, مثلا " أنني خائف " بهذا المعنى الطبيعة الإنسانية لا واعية تماما مثل الغرائز الحيوانية و لنفس الأسباب. نحن لا نقول أن الغرائز هي اللاوعي, لماذا ؟ لأنه النتائج.عي حيواني توفر له الغالنتائج. من النتائج . اللاوعي هو نتاج مفارقة في الوعي... ينظر الرجل إن كان يرتعش ليعرف إن كان خائفا... يقول أجاكس AJAX)( لنفسه في الإلياذة " هي ذي قدمي تدفعني, هناك دون شك إله يقودني إذ لم أعد أعتقد في مثل هذا الإله فلا بد وأن أعتقد في وجود وحش مختلف بداخلي ". الواقع أن الإنسان يتعود على أن يكون له جسد و غرائز, و يعارض علم النفس التحليلي ذلك, إنه يبدع الوحش ويكشفه لمن يسكنه... الفرويدية الذائعة الصيت هي بالضبط فن إبداع الحيوان المخيف في كل إنسان عبر علامات عادية كالأحلام التي يحلو لفرويد أن يرى فيها مجرد تعبير غير مباشر. حياتنا الجنسية لا تخضع بالطبع للإرادة و تمتنع عن التوقع, إننا أمام جرائم ذاتية, و نستنتج من ذلك أن مثل هذه الغرائز توفر مجالا خصبا للتأويل.

Admin
inviter a tunisia sat
inviter a tunisia sat

Messages : 101
Date d'inscription : 11/11/2009
Age : 32
Localisation : gafsa elgoussa

https://mbarek-sat.1fr1.net

Revenir en haut Aller en bas

نصوص فلسفية Empty Re: نصوص فلسفية

Message  Admin Février 8th 2010, 8:51 pm

التحليل الفينومينولوجي لظواهر الوعي والأنا والغير
في فلسفة سارتر
(الجزء الثاني)
2. الأنا المتعالي ومستويات الوعي في فلسفة سارتر
إن وجود الأنا المتعالي عند ديكارت كما عند هوسرل هو وجود بديهي ودائم الحضور على مستوى الوعي؛ يتوقف وجوده، إذن، على استمرارية التفكير. ذلك لأن الوعي المتجه نحو ذاته هو الذي أفرز الكوجيطو سواء عند ديكارت أو عند هوسرل. ولكن الكوجيطو لا يمثل سوى وجه واحد من أوجه الوعي في نظر سارتر؛ لقد بدت له تحليلات ديكارت وهوسرل لظواهر الوعي منقوصة ومحدودة للغاية، من حيث أنهما لم يتمكنا من التمييز في الوعي بين مختلف مستوياته؛ وأما سارتر فقد حاول التمييز فيه بين مستويين وهما:
أ- المستوى الأول من الوعي: وهو الوعي غير المفكَّر فيه أو الذي ينصب على غيره ولا ينصب على نفسه. فالوعي الذي يقول "أنا أفكر" ليس هو الوعي الذي يفكر أو الوعي العارف، ولذلك كان لابد من التمييز بين "الوعي المفكَّر فيه" والذي يمثل بالنسبة لسارتر المستوى الثاني من الوعي، و"الوعي الذي يفكر" (الوعي العارف) أو المستوى الأول من الوعي. يقول سارتر موضحا طبيعة المستوى الأول من الوعي:
"عندما أركض لركوب البميترو، وعندما أرقب الساعة، أو عندما يستغرقني التأمل في صورة أو لوحة، فليس هناك أنا. هناك وعي بميترو- يراد- ركوبه، الخ"
يمكن التمييز في إطار المستوى الأول من الوعي (=الوعي العارف) بين نوعين متعارضين من الموجودات وهما: الوجود المتعالي للظاهرة التي يعيش الفرد تجربتها، من جهة، ووجود الوعي القصدي من جهة أخرى. يقوم هذا التمييز من حيث المبدأ على تصور هوسرل للوعي باعتباره دائما وعيا بشيء ما، وهو ما يمكن تسميته أيضا بالوعي القصدي. وبناء على هذا التصور يبدو موضوع الفعل القصدي من زاوية نظر سارتر على أنه موضوع متعالي، بمعنى أنه يمتد إلى ما وراء الظاهرة التي يقدم نفسه للوعي من خلالها لاحتوائه على سلسلة مظاهرها التي تمتد من الماضي إلى المستقبل كما يدل على ذلك مثال النوطة الموسيقية التي لا تُدْرَكُ إلا من خلال استحضار ما كان قبلها وتوقع ما يأتي بعدها. ويدل مفهوم التعالي في هذا السياق أيضا على أن الموضوع يوجد خارج الوعي ولكنه يظل مع ذلك مرتبطا به باعتباره موضوع الفعل القصدي أو الموضوع الذي يتجه إليه الوعي.
ومع أن المستوى الأول من الوعي يبدو على أنه وعي تلقائي غير مُفَكَّر فيه، فإنه يحتاج مع ذلك، لكي يؤدي وظيفته المتمثلة في الإحاطة بالموضوعات الخارجية أو المتعالية، إلى أن يكون مرفوقا بنوع من الإدراك أو الوعي الخاص: فلكي يكون المرء على وعي بموضوع متعالي فلابد أن يعي بأنه على وعي، أو أن يعقل أنه يعقل حسب تعبير ابن سينا؛ ولابد أن تكون بنية هذا النوع من الوعي الذي هو وعي أو معرفة بالذات مختلفة عن بنية المعرفة بالموضوعات المتعالية، من حيث أن هذه الأخيرة تفترض وجود مسافة بين الوعي وموضوعه ولا تتحقق إلا من خلال التعالي، وأما المعرفة الذاتية فهي ليست معرفة بهذا المعنى، ومع ذلك احتفظ سارتر بمفهوم الوعي بالذات، وبرر ذلك بقوله:
"إن الشرط الضروري والكافي الذي يجعل من الوعي العارف معرفة بموضوعه هو الوعي بذاته بوصفه يمثل تلك المعرفة. [...] فإن لم يكن وعيي هو الوعي بكونه وعيا بالطاولة، فسيكون حينئذ وعيا بالطاولة من غير أن يكون على وعي بذلك. ويمكن القول بعبارة أخرى إنه سيكون وعيا جاهلا لذاته، عبارة عن لاوعي- وهو أمر غير معقول"
ويتضح من هذا الدليل أنه لا مكان لبنية الأنا داخل المستوى الأول من الوعي (=الوعي غير المُفكَّر فيه)، ولذلك يظل وعيا فارغا خال من أي مضمون. لم بعد للأنا المتعالي إذن حضور على مستوى الوعي غير المُفكَّر فيه؛ يقول سارتر بهذا الصدد:
"عندما أقرأ، يكون هناك وعي بالكتاب، بأبطال الرواية، لكن الأنا لم تكن تسكن ذلك الوعي. كان وعيا بالموضوع فحسب، ولم يكن مطروحا كوعي لذاته"
فلو كان للأنا المتعالي حضور في المستوى الأول من الوعي لكان قد شطره وقسمه إلى أجزاء منفصلة عن بعضها البعض، وقضى على وحدته الجوهرية التي بدونها يستحيل الوعي بأي شيء كما أوضحنا ذلك آنفا. والنتيجة هي أنه يجب النظر إلى الأنا المتعالي على أنه موضوع كغيره من الموضوعات الأخرى المتعالية، ليس له حضور على مستوى الوعي.
ب- المستوى الثاني من الوعي: وهو الوعي المتجه نحو ذاته، أو الفعل القصدي الذي يجعل من نشاطه موضوعا له، ذلك الفعل الذي أفرز الكوجيطو الديكارتي والهوسرلي. إنه "نشاط فكري خالص": بتطابق فيه فعل التفكير مع الفعل المُفكَّر فيه، ويعرف الوعي من خلاله ذاته بوصفه كينونة داخلية مطلقة. وفي سياق هذه التجربة الوجودية الخالصة فقط يقدم الأنا نفسه للوعي باعتباره موضوعا متعاليا. وما يجعل ذلك ممكنا هو رغبة الوعي في أن يطرح نفسه كموضوع على الطريقة التي يطرح بها وعي "الغير". ويميز سارتر في المستوى الثاني بين نوعين من الوعي وهما: الوعي المفكِّر والوعي المفكَّر فيه. ويكتسي النوع الثاني من الوعي (= المفكَّر فيه) أهمية خاصة في إستراتيجية سارتر لإيجاد حل لمسألة وجود الأنا المتعالي.
لقد رفض سارتر أطروحة هوسرل التي تقول بأن الأنا المتعالي معطى بشكل بديهي في الوعي، بدعوى أن الـ"أنا أفكر" لا يقدم نفسه للوعي أو التفكير بوصفه الوعي المفكَّر فيه، ولكنه يُعطى من خلال الوعي المفكَّر فيه: ففي هذا الأخير نعثر على الأفعال القصدية noèses التي أصبحت أفعالا متعالية بفضل فعل التفكير، وتحولت فيه إلى موضوعات للوعي. وتأخذ الأفعال القصدية (المتجهة نحو موضوع معين) في إطار فعل التفكير شكل موضوعات نفسية متعالية وهي "الأحوال" و"الأفعال" و"الصفات" التي تؤلف في مجموعها الأنا المتعالي.
تؤلف الأفعال والأحوال النفسية في مجموعها الأنا المتعالي تماما مثلما تتشكل المعزوفة من سلسلة زمنية من النوطات على النحو المبين أعلاه. والمقصود بـ"الأحوال" في فلسفة سارتر تلك الموضوعات المتعالية التي تجمع في إطار تركيبة واحدة متعالية بين عدد لا حصر له من الأفعال الخاصة المتمثلة في ردود الفعل العاطفية-الوجدانية المفكر فيها نحو موضوع معين. يقول سارتر في شرحه لهذا الجانب من جوانب الأنا:
"أرى بيتر، أشعر بنوع من التشنج العميق والاشمئزاز والغضب عند رؤيته (وحتى هذه اللحظة لازلت في مستوى التأمل والتفكير): فالتشنج وعي. لا يمكن أن أكون مخطئا حين أقول: أشعر في هذه اللحظة باشمئزاز شديد تجاه بيتر. ولكن، هل تجربة الاشمئزاز هذه كراهية ؟ من الواضح أنها ليست كذلك. هذا إضافة إلى أنها ليست معطاة بوصفها كراهية. كرهت بيتر لمدة طويلة، وأعتقد أنني سأكرهه دائما في المستقبل. وبالتالي، فإن الوعي الفوري بالاشمئزاز يمكن أن لا يكون كراهية"

تتشكل "الأحوال"، إذن، من مجموع الظواهر النفسية الممتدة عبر الزمن trans-phenomenales: المتعالية بالنظر إلى الحالة الخاصة المعيشة هنا والآن؛ وتتجلى الأحوال المتعالية للوعي من خلال الانفعالات التي يعيشها الفرد في اللحظة الراهنة كالاشمئزاز والتشنج وغير ذلك. فإذا كنت تكره شخصا ما فإن حالتك النفسية المتمثلة في الكراهية سوف تتجلى لوعيك من خلال عدد كبير من ردود الفعل العاطفية-الوجدانية تجاه ذلك الشخص في لحظات مختلفة. ولسوف تتشكل الكراهية بوصفها حالة نفسية متعالية من خلال وعيك بنمطك السلوكي المطبوع بذلك النوع من الانفعالات. وعندما تتشكل هذه الحالة ستولد في نفسك نوعا من الاشمئزاز والقرف من ذلك الشخص كلما رأيته.
ويتألف "الفعل" action من سلسلة من الأفعال الصغيرة، وينشأ عنها مثلما تنشأ معزوفة البيانو عن سلسلة من حركات الأصابع وتتعالى عليها. لا يحصل الوعي في كل لحظة إلا بالأفعال الصغيرة أو الجزئية، وأما الفعل الشمولي الذي تؤلفه تلك الأفعال فإنه يبدو متعاليا على الوعي. وأما ما يجعل من الفعل الشمولي فعلا متعاليا فهو أن كل فعل من الأفعال يحتاج إلى زمن لكي يتحقق، ولا يمكن بالتالي لجميع الأفعال أن تتحقق دفعة واحدة. ولذلك يأخذ مفهوم التعالي هنا دلالة زمنية ويدل على أن الفعل الشمولي هو فعل عبر- زمني أو عبر- ظاهري trans-phenomenal نظرا لكونه يتجلى من خلال عدد كبير من التمظهرات المتوالية في الزمن؛ وهذا ما يجعل الفعل الشمولي مشابها للمعزوفة في كيفية تشكله، مثله في ذلك مثل الأحوال النفسية السابقة الذكر(الكراهية والحب وما إلى ذلك). وتمثل الأفعال والأحوال النفسية وقائع تتمتع بوجود حقيقي، وتقدم نفسها في العالم على طريقة الأشجار والكراسي وما على ذلك.
وإذا كانت الأفعال هي ما يجعل الأحوال تتجلى للوعي بوصفها موضوعات متعالية، فإن الأحوال تفصح عن نفسها من خلال مجموعة من الصفات. فإذا كان زيد يكره عمر ويكره يزيد وزينت ويحقد عليهم جميعا، قلنا عنه إنه رجل حقود. وهذا الحقد الذي يعتمل في نفسه لا يمثل خلاصة مواقفه من الآخرين فحسب، بل يمثل صفة من الصفات التي تفسر نزوعه إلى اتخاذ تلك المواقف.
ولكن الصفات لا تعتبر من العناصر الضرورية التي تقوم عليها وحدة الأنا، إذ يمكن تشكيل فكرة عن هذا الأخير دون استحضار صفاته، لأن هذه الصفات لا تندرج في تكوينه الفعلي على اعتبار أنها ليست شيئا قائما بذاته كما هو الحال بالنسبة للأحوال والأفعال، بحيث يمكن القول إن وجودها عرضي أو مزيف. ومما يترتب عن ذلك أن الدراسات السيكولوجية لـ"لأنا" (والأنا الآخر)، التي أصبح لها الآن وجود بين أشياء العالم باعتبارها موضوعا متعاليا يجب أن تراعي في تحقيقاتها المبادئ التالية:
§ أن للأنا وجود فعلي في العالم مثل وجود المعزوفة؛
§ وأنه يتشكل من الأفعال والأحوال النفسية مثلما تتشكل المعزوفة من النوطات المتعاقبة عبر الزمن؛
§ وأنه لا ينفصل عن الأفعال والأحوال كالمعزوفة التي لا تنفصل عن النوطات المتعاقبة؛
§ وأن الأفعال والأحوال لا تأتي كنتيجة للأنا كما أن النوطات لا تأتي كنتيجة للمعزوفة؛
§ وأنه لا يمكن الإحاطة معرفيا بالأنا إلا بشكل تقريبي عن طريق التخمين انطلاقا من الأفعال والأحوال، فكما أن معرفتنا بالمعزوفة لا تتم إلا من خلال سماع متوالية من النوطات، كذلك فإن معرفتنا بالأنا لا تتحقق إلا من خلال الإحاطة بسلسلة الأفعال التي تتجلى من خلالها الأحوال.
§ ولكن هناك فرق بين معرفة المعزوفة ومعرفة الأنا: فبينما يكون من السهل سماع جميع النوطوات التي تتشكل منها المعزوفة، يكون من غير الممكن الإحاطة بكل فعل من الأفعال وبكل حالة من الحالات التي تندرج في تكوين الأنا. ولذلك تكون معرفتنا بالأنا دائما معرفة جزئية.
§ وأما الصفات (=كون المرء حقودا باغضا كارها لغيره) فليس لها وجود قائم بذاته، ولا يمكن اعتبارها سمات ثابتة.ولا يمكن القول بالتالي بأن السمات هي مصدر السلوك، وهو ما يدل عليه قول سارتر بأن الوجود (الذي يتجلى من خلال مجموعة من السلوكات) سابق على الماهية (التي تتشكل من بعض السمات الثابتة).
وخلاصة القول إن معرفة الأنا، التي تظل دائما نسبية، تستوجب الإحاطة بأحوال الشخص وأفعاله التي يعتبر وجودها وجودا قائما بذاته. وأما الصفات أو السمات التي تبدو على أنها ثابتة (المزاج) فإنها لا تساعد على معرفة سلوك الفرد وفهمه طالما أنه ليس لها وجود فعلي أو قائم بذاته، وطالما أن وجودها عرضي أو مزيف. فلا يمكن القول مثلا إن زيد يحقد على عمر ويكرهه بسبب أن زيد رجل حقود على العموم، أو أن الكراهية صفة ثابتة من صفاته، ولما كانت العلاقات السببية في نظر سارتر لا تكون إلا بين الأشياء التي لها وجود فعلي قائم بذاته، فإنه يتعين دراسة السلوك البشري بصرف النظر عن الصفات أو السمات أو المزاج. فلو كان السلوك يتحدد بالمزاج وسماته لما كان هناك مجال للحرية، ولكان الإنسان خاضعا بشكل مطلق لحتمية بيولوجية موروثة.


التحليل الفينومينولوجي لظواهر الوعي والأنا والغير
في فلسفة سارتر
(الجزء الثالث)
3. مسألة العلاقة بين الأنا والغير
ترجع فكرة الأنا الخالصة الشفافة التي لا يقف أي حجاب بينها وبين نفسها، والتي تعي ذاتها بشكل فوري ومباشر إلى ديكارت، ثم انتقلت من بعده إلى هوسرلHusserl ليتلقاها سارتر بدوره ويكسبها أبعادا ودلالات جديدة. ومن خصائص الأنا عند ديكارت وهوسرل أنها ذاتية محايثة للوعي. وتتجلى فكرة المحايثة بوضوح من خلال تعريف ديكارت للأنا، فهي عنده عبارة عن "شيء يفكر" أو المحل الذي تجري فيه أفعال الوعي ومختلف أنواع الانفعالات. ذلك لأننا نكون على وعي بما يجري بداخلنا ونشعر بأنه جزء من ذواتنا، فهي إذن محايثة لوجودنا الذاتي. وأما ما يوجد خارج الوجود المحايث للذاتية فهو الغير.
3-1. صعوبة معرفة الغير
إذا نظرنا إلى الأمور من وجهة النظر هذه، فإن كل ما يوجد خارج حقل الذاتية هو ما لست أنا (العالم المحيط بي، والجسم، والناس الآخرون)؛ وإذا كان الأمر كذلك، فإنه لا توجد علاقة على المستوى الذاتي بيني وبين ما يوجد في العالم الخارجي؛ وبالتالي، فإن الغير الذي يطرح نفسه في العالم الخارجي، لا يستطيع أن يشعر بما أشعر به أنا، ولا أن يستمتع بأشكال الوعي والأفكار التي تولِّد في نفسي شعورا بالمتعة؛ وفي المقابل لا يمكنني معرفة الغير مثلما أعرف نفسي. فالأشياء التي أراها، والتي ليست أنا، يكتنفها الغموض وعدم اليقين، وقد تنقلب إلى أوهام في مخيلتي. ولما كنت أنا الذات التي تنظر وتتملى الأشياء التي تحيط بها، أو التي يبدو أنها الذات التي تنظر وتتملى، فلا يمكن وضعها موضع تساؤل أو شك. ولذلك كانت غيرية الشيء الذي أنظر إليه هي العلامة الدالة على غموضه ودونيته بالمقارنة مع الوقائع الذاتية المحايثة لوجود الأنا.
ويرى سارتر من جهته أن الذاتية هي المعطى المباشر الذي يتم إدراكه بدون وسائط. تمثل الذاتية، في نظره المعطى المباشر؛ ينسجم هذا التصور مع تعريف كل من ديكارت وهوسرل للذاتية؛ ولكن سارتر ذهب إلى أبعد مما ذهب إليه سابقوه في تجريدها من اللواحق الخارجية. ذلك لأن الذاتية في فلسفة كل من ديكارت وهوسرل لم تكن في مأمن من التأثيرات الخارجية بما في ذلك تأثير الأنا نفسه، ومعنى ذلك أن هاذين الفيلسوفين لم يفصلا بين الذاتية والأنا، بينما أقام سارتر تمييزا قاطعا بينهما. فالذاتية باعتبارها وعيا خالصا لا تنطوي على ما يمكن أن يقوم مقام الحامل لتيار الحياة المتدفق باستمرار. وأما "الأنا أفكر" أو الذات المفكرة، التي يمكن من حيث المبدأ تمييزها عن نشاط التفكير، فهي تمثل شيئا آخر بالنظر إلى الذاتية الخالصة؛ إن وجودها هو وجود متعالي بالنظر إلى الوقائع الذاتية المحايثة للوعي الخالص.
كيف تتحدد طبيعة الأنا إذن من وجهة نظر سارتر؟ إنها الذات الفاعلة، الذات الخالصة المندفعة في العالم بوصفها الفاعل الذي تنسب إليه الأفعال، فتصير فلاحا أو فنانا أو فيلسوفا...وعندما تصبح الأنا ذاتا نشيطة تكون قد أصبحت عرضة لتأثير الظروف المحيطة بها، فعندما تلج العالم باعتبارها ذاتا فاعلة تتأثر أفعالها بمختلف أنواع العوامل والقوى الكامنة فيه، ويصل تأثيرها إلى صلب الأنا ذاتها. ولعل أول ما يؤثر في وجود الأنا في العالم هي الوسائل والأدوات التي تستعملها في أداء مختلف الأنشطة التي تقوم بها (أدوات العمل والأجهزة المفاهيمية وما إلى ذلك) وبالنتائج التي تتوقع الحصول عليها. ولكن أكثر ما يحدد وجود الأنا في العالم هي الأشياء التي تكون كيفية وجودها مختلفة عن كيفية تصورها أو الوعي بها. يمكن القول بعبارة أخرى إن ما يحدد وجود الأنا هي حقيقة الأشياء التي يمتد وجودها خلف مظاهرها، تلك الأشياء التي يكون باطنها أقوى من ظاهرها وأعتى مما نتصور. إن أقوى التأثيرات في نظر سارتر هي تلك التي تنبعث من خلف مظاهر الأشياء.
وكذلك فإن ما يميز الذات الفاعلة الخالصة هو وعيها بالحياة التي تعيشها في اللحظة الراهنة وامتداداتها في الماضي والمستقبل. ومعنى ذلك أن للأنا أو الذات الفاعلة تاريخها الشخصي أو سيرتها الذاتية، ولها مشاريعها وتطلعاتها وآمالها وأهدافها الخاصة. وتتحدد طبيعة الأنا بنوع العلاقة التي تربطها بالماضي والمستقبل: فالأنا باعتبارها ذاتا فاعلة لا تعيش الماضي والحاضر في اللحظة الراهنة؛ وطالما أنها مسكونة بتجارب الماضي وهواجس المستقبل دون أن تؤثر فيها بشكل مباشر، فإن الماضي والحاضر يمثلان شيئا آخر مختلفا تمام الاختلاف عن تجربة الحياة الراهنة. ومعنى ذلك أنه طالما أن تجارب الماضي والتجارب المتوقعة في المستقبل تتجاوز وعيي بها في اللحظة الراهنة من حيث أن الوجود في الماضي وفي المستقبل هو أكثر مما أتصور، لأن التصور أو الظاهر لا يرقى أبدا إلى مستوى الواقع الموجود خلفه. ويخلص سارتر من ذلك كله إلى القول بأن الماضي والمستقبل يمثلان نوعا من الوقائع المتعالية، بمعنى أنهما لا ينتميان إلى تجربة الأنا في الحياة الراهنة. فإن أنت كرهت شخصا في الماضي لمدة طويلة، فإن الشعور بالامتعاض سيسطر عليك عندما تراه، وسينتابك نفس الشعور في المستقبل كلما رأيته؛ فالكراهية متعالية بالنظر إلى هذا الشعور: تغمر التجربة الشعورية الراهنة وتؤثثها لما لها من تاريخ طويل. والنتيجة هي أن للأنا وجود متعالي عن ظروف الزمان والمكان.
ومن هنا يطرح السؤال: كيف تتحدد العلاقة بين الأنا المتعالية والوعي المحايث للوقائع الذاتية؟ وما طبيعة العلاقة بين الذات الفاعلة الخالصة والغير في غمرة الحياة؟ هناك علاقة بين هذين السؤالين من حيث أن العلاقة بين الأنا المتعالية والتجارب الشعورية الراهنة توفر الإطار المناسب لفهم العلاقة بالغير. ذلك لأن الغير في نظر سارتر هو أنا آخر متعالي.
إن فهم الطبيعة المتعالية للأنا في علاقته بالوعي المحايث لتجربتي الذاتية سيساعدني على فهم طبيعة العلاقة بين الغير بوصفه أنا آخر متعالي والوقائع الذاتية لتجربتي الراهنة، لأن غيرية الآخر هي امتداد لغيرية الأنا في نظر سارتر.
ولكن، ما المقصود بغيرية الأنا؟ هل تعني وجود شرخ في الحياة الذاتية يقسمها إلى شطرين ويجعلها مستلبة الهوية؟ يعتقد سارتر بوجود اختلاف أنطلوجي بين شكل وجود الذات أو ما يسميه بالوعي الخالص وبين وجود الأنا. فالأنا هو شيء آخر مختلف اختلافا جوهريا عن الوعي أو حياة الشعور؛ فللأنا وجود متعالي بالنظر إلى وقائع الشعور والوعي، إنه من جملة الأشياء المتعالية التي يكون ظاهرها أقل بكثير من حقيقة وجودها كما هي في ذاتها. إن الأنا المتعالية ليست دائما كما نتصورها، هناك مسافة بين حقيقة وجودها وبين كيفية تصورنا لها، فهي تختفي خلف مظاهرها، إنها ليست شفافة. ولذلك يمكن تصنيفها ضمن الأشياء المادية التي توجد في العالم الخارجي. وما يميز الأنا عن موضوعات العالم الخارجي هو نظرتي إليها باعتبارها مِلكا لي، بل إنها المرجع الذي يمثل أسلوبي الخاص في الحياة وإليها ترجع كل أفعالي وتسمها بميسمها الخاص، إنها عنوان شخصيتي. تتحدد شخصيتي بكيفية نظرتي إلى أناي، إنها ليست أكثر من وهم طالما أنني لا أدرك منها سوى مظاهرها كما تفرض نفسها علي. وهكذا، فإن تصوري لهويتي لا يعدو أن يكون مجرد وهم من الأوهام.
ولما كانت الأنا متعالية بالنظر إلى تجارب الوعي والشعور فإنه لا يجوز تصنيفها ضمن تجارب الشعور، إنها تمثل الغير بالنظر إلى الوعي المحايث لتجربتي الوجودية أو الذاتية. ومن هنا يمكن القول إن الأنا ليست ذاتا فاعلة أخرى ووعيا مثل كوني ذات فاعلة واعية بما يجري فيها من وقائع شعورية. ذلك لأن التجربة الذاتية واحدة لا تقبل الانقسام، ولا ترضى أن يضاف إليها شيء آخر من الخارج. إن الأنا شيء خارجي بالنظر إلى التجربة الذاتية الحميمة، ولا تفتح له هذه التجربة أبوابها. إنها ذاتية خالصة، وعي خالص. ولما كان الغير أنا آخر فإنه سيظل بدوره بعيدا وغريبا عن تجارب الحياة الذاتية الخالصة.

Admin
inviter a tunisia sat
inviter a tunisia sat

Messages : 101
Date d'inscription : 11/11/2009
Age : 32
Localisation : gafsa elgoussa

https://mbarek-sat.1fr1.net

Revenir en haut Aller en bas

نصوص فلسفية Empty Re: نصوص فلسفية

Message  Admin Février 8th 2010, 8:52 pm

إن الأخر بالنسبة لي ليس وعيا خالصا أو ذاتا فاعلة، بل هو شيء من الأشياء المتعالية التي لا أدرك منها غير مظهرها الخارجي. يدل مفهوم التعالي هنا على الاختلاف، كما يشير إلى الغموض وعدم اليقين. لا يمكنني أن أعرف عنه أكثر مما أعرف عن أناي: مظاهره الخادعة؛ وعندما أريد الإحاطة به، لا أعمل سوى على إسقاط تصوراتي عن أناي عليه. وهكذا أتصور الناس الذين يحيطون بي على أنهم ذوات فاعلة بينما هم في الواقع أشياء لا تختلف عن أشياء الطبيعة بالنظر إلى علاقتهم بي، فهذه العلاقة لا تسمح لي بالشعور بما يشعرون ، ولا أن يشعروا بما أشعر. وفي الحقيقة، فإن سارتر لا يستبعد وجود حياة ذاتية خلف وجود الأنا الآخر، ولكنه لم يجد سبيلا للاقتراب منها وملامستها بشكل مباشر في كتاباته المبكرة وعلى رأسها الكتاب المشار إليه في مقدمة هذا العرض.
ليس بوسع الذات الفاعلة بما تنطوي عليه من وعي وشعور أن تحيط بالتجارب الشعورية المفترض وجودها لدى الغير في نظر سارتر، بإمكانها أن تدرك الموضوعات بما في ذلك الأنا الآخر مثلما تعي وتدرك إنيتها بشكل من الأشكال، ولكنها لا تستطيع الإحاطة بالذوات الأخرى. فلكي تدرك الذات الفاعلة ذاتا فاعلة أخرى يتعين عليها أن تكون قادرة على تمثل ذاتها كذات أخرى، وأن تعيش تجربتها الذاتية كما لو كانت مختلفة عن ذاتها، كما لو خرجت من نفسها لتصبح غير شفافة حين تنظر إلى نفسها بعين الآخر. يمكن القول بعبارة أخرى: إن عليها أن تعيش غيريتها من الداخل، أي داخل حياة الوعي والشعور، تلك الغيرية المنبثقة من الداخل والتي تشطر تلك الحياة إلى قسمين، الغيرية التي تكون غيرية بالنسبة للوعي والشعور لا بالنسبة للموضوع المتعالي..

، الأنا والغير لدى جان بول سارتر - 1

ٍ
التحليل الفينومينولوجي لظواهر الوعي والأنا والغير
في فلسفة سارتر
أحمد أغبال

كيف يتحدد مفهوم الوعي ومفهوم الأنا في فلسفة سارتر؟ وما نوع العلاقة بينهما؟ وكيف تتحدد العلاقة بين الأنا والغير في إطار هذه الفلسفة؟ سوف نتطرق في لحظة أولى إلى هذه القضايا في ضوء نظرية الفيلسوف الفرنسي جون بول سارتر المبسوطة في كتابه الموسوم بـ"تعالي الأنا" (*)ثم نقوم في لحظة ثانية برصد تطور مواقفه من مسألة الغيرية في أعماله المتأخرة التي تناول فيها قضايا الخيال والصور الفنية.
1. مفهوم الأنا المتعالي في فلسفة سارتر
يعتبر كتاب "تعالي الأنا" محاولة لوصف وتحليل ظواهر الوعي والوقائع الجوانية من وجهة نظر فينومينولوجية. ويهدف إلى بيان ما إذا كان الأنا ظاهرة من ظواهر الوعي ذاته كما هو الحال بالنسبة لكل من ديكارت وكانط وهوسرل، أم أنه موضوع من موضوعات العالم كالأشجار والكراسي وما إلى ذلك. وأما أطروحته الأساسية في هذا المجال فتتمثل في جوابه عن السؤال: "من أنا ؟" أو بعبارة أخرى: ما هي طبيعة أناي؟ وقبل أن يقدم أطروحته التي تمثل جوابه على هذا السؤال استهل كتابه بنقد تصورات بعض الفلاسفة من أمثال هوسرل وكانط وديكارت للأنا. نقرأ في مقدمة الكتاب:
"إن الأنا بالنسبة لمعظم الفلاسفة "كائن يسكن" الوعي. ويدعي بعضهم أن له حضور شكلي في صميم تجربة الحياة كمبدأ فارغ للتوحيد [= يؤدي وظيفة التوحيد أو التركيب]. ويدعي آخرون – وهم في الغالب الأعم من علماء النفس – أنهم اكتشفوا حضوره المادي في كل لحظة من لحظات حياتنا النفسية بوصفه مركز الرغبات والأفعال. ونود أن نبين هنا أن الأنا لا يوجد في الوعي لا شكلا ولا مضمونا، بل في الخارج، في العالم؛ إنه كائن من كائنات العالم، تماما مثل ما هو الحال بالنسبة لأنا الغير"
تلخص هذه الفقرة مآخذ سارتر على الفلاسفة والمفكرين الذين يقولون بأن الأنا المتعالية هي المبدأ الشكلي الضروري لنشاط الوعي، وهي الأطروحة التي تبناها كل من كانط وهوسرل، كما أنه رفض الأطروحة التي تقول بأن الأنا المتعالي توجد على مستوى نشاط الوعي والتفكير، في أحضان الذات المفكرة، وهي الأطروحة التي نجدها عند كل من ديكارت وهوسرل. وبعد أن عبر عن موقفه الرافض لهاتين الأطروحتين قدم بديلا عنها، وهو أطروحته التي تقول: إن الأنا بطبيعته وتكوينه متعالي عن الوعي. وقبل أن نستعرض تفاصيل هده الأطروحة ومبرراتها وما يترتب عنها، دعونا نستعرض أهم مآخذ سارتر على الأطروحات السابقة.
يقول هوسرل: إن الوعي هو دائما وعي بشيء ما، فهو يتجه دائما نحو موضوع ما ويكشف عنه، مثله في ذلك مثل شعاع الضوء، يسقط على الأجسام فتتجلى للناظر إليها. توحي هذه الفكرة، إذا نظرنا إليها من وجهة نظر سارتر، بأن وراء كل وعي "بنية وعي ضرورية" تنير بأشعتها الظواهر الموجودة في الحقل الذي يتجه إليه الانتباه (=القصدية). وهكذا تكتسي بنية الوعي الضرورية أو الأنا المتعالية طابعا خاصا وتصبح شخصية بالكامل. ومن هنا كان تساؤل سارت: هل كان من الضروري أن يلجأ هوسرل إلى هذا المفهوم؟ وهل ينسجم مع تعريفه للوعي؟ وكان جوابه طبعا بالسلب. وإنما اعترض سارتر على تصور هوسرل للأنا المتعالية بدعوى أن إدراج "بنية الوعي الضرورية" في العالم المتعالي سيؤدي إلى فساده من خلال حدوث شرخ في الوعي وانقسامه على نفسه؛ وسيؤدي الأنا المتعالي بذلك في اعتقاده إلى موت الوعي. وإنما أراد سارتر بنقده لهذه الأطروحة أن يفرغ الوعي من أي محتوى ليجعله شفافا ولاشخصيا.
وأما القول بأن الأنا المتعالية هي الشرط الشكلي الضروري لقيام الوحدة وبناء التركيبات، فهو قول مردود في نظر سارتر: إن الأنا المتعالية ليست الشرط الضروري الذي يضمن وحدة الوعي وتفرده، بل، وعلى العكس من ذلك، فإن وحدة الوعي هي التي تقف خلف تشكل الأنا. فالأنا الذي نصادفه على مستوى الوعي إنما يعبر عن الوحدة التركيبية لتمثلاتنا، تلك التركيبة التي تنصهر فيها وتتوحد مختلف أبعاد الوعي ومكوناته على نحو مخصوص، وهذا ما يجعل من الممكن التمييز بين "وعي" وآخر، بين حياة الوعي لدى زيد وحياة الوعي لدى عمر. فلابد أن يكون هناك خيط رابط يوحد بين مكونات الوعي لدى زيد ويمنح لوعيه خصوصية تميزه عن عمر.
حاول سارتر الدفاع عن أطروحته تلك في كتابه "تعالي الأنا" الذي يمثل بداية قطيعته مع هوسرل؛ ولكن الحلول التي اقترحها لمسألة العلاقة بين الوعي والأنا ومسألة الغيرية ظلت محدودة وغير مكتملة حسب تقديرات المحللين، ولعلها كانت مشاريع حلول أو حلول تجريبية، وربما كان سارتر على وعي تام بذلك قبل أن يتداول فيه المحللون؛ لاشك في أنه كان ينظر إليها على أنها حلول مؤقتة لإشكالات عويصة كما يوحي بذلك العنوان الفرعي للكتاب(*)؛ يفهم من هذا العنوان على أن الكتاب ليس أكثر من خطاطة عامة تمثل الخطوط العريضة لمشروع بعيد المدى يهدف، من بين ما يهدف إليه، إلى الكشف عن طبيعة الوعي، والمبدأ الذي تقوم عليه وحدته وتفرده، وعلاقته بالأنا وبالغير.
ففيما يتعلق بوحدة الوعي، يرى سارتر أن في كل لحظة من لحظات الوعي، أي عندما نكون أمام موضوع ما، فإنه من الضروري أن تتوحد عمليات الوعي في مواجهتنا لذلك الموضوع؛ فعندما يعض زيد تفاحة، فإن جميع عناصر الإدراك من خشخشة وطعم ورائحة وما إلى ذلك يكون لها حينئذ حضور في وعي واحد متفرد هو وعي زيد. فما الذي يمنح لوعي زيد وحدته ويجعل المدركات تنصهر فيه في إطار تركيبة متميزة ؟ لو طرحتا هذا السؤال على كانط لأجاب: إنه الأنا المتعالي؛ ويرى سارتر على العكس من ذلك بأن الوعي يستمد وحدته من الموضوع لا من الأنا المتعالي، وهو ما عبر عنه بقوله: "إن وحدة الوعي توجد على مستوى الموضوع". إن الوحدة التي يشير إليها سارتر هنا هي وحدة "المئات من أنواع الوعي النشيطة" التي ينصب اهتمامها على نفس الموضوع. وترتبط هذه الوحدة بالمستوى المتعالي من الموضوع الذي يتجه إليه الانتباه. والمقصود بتعالي الموضوع هنا امتداده إلى ما وراء التجربة الراهنة في اتجاه الماضي والمستقبل، حيث أصبحت مظاهره الآنية تتوحد بمظاهره في الزمن الماضي والمستقبل. إن الموضوع الذي يتجاوز لحظته بمظاهره العابرة للأزمان هو موضوع متعالي أو ذو وحدة متعالية؛ وبناء على ذلك يمكن القول بأن وحدة الوعي ليست شيئا آخر غير الوعي بتلك الوحدة المتعالية، إنها الوعي الخالص، ذلك الوعي الذي تم تطهيره من شوائب الأنا أو بنيته ليصبح مجرد علاقة فارغة بالوحدة المتعالية لموضوعه. ولكن، ما الذي يضمن استمرار وحدة الوعي عبر الزمن ؟
للإجابة على هذا السؤال لجأ سارتر إلى مفهوم الوعي الزمني conscience temporelle الذي استعاره عن هوسرل والذي يدل على أبعاد الوعي الثلاث في علاقته بالزمن، وهي:
القصد intention ويعني في نفس الوقت الاتجاه المفرغ/المحايد نحو موضوع ما (موضوع القصد objetintentionnel) والفعل الذي يضفي المعاني والدلالات على ذلك الموضوع؛
التوجه القصدي نحو المستقبل protentionوهو نوع من التوقع المرتبط باللحظة الراهنة ارتباطا جوهريا ويستبق الأحداث قبل وقوعها. فعندما تسمع نوطة موسيقية، فإنها لا تصبح جزءا من معزوفة في وعيك إلا إذا تلتها نوطات أخرى، وكنت تتوقع سماعها على نحو ما. فالتوقع هو جزء من إدراك النوطة بوصفها جزء لا يتجزأ من المعزوفة.
التذكر rétention، وهو استحضار وقائع الماضي الفوري في الوعي، فكما أن النوطة لا تعتبر جزءا من معزوفة إلا بتوفر شرط القدرة على توقع ما يليها، كذلك لا بمكن إدراكها بوصفها جزءا من المعزوفة إلا إذا توفرت القدرة على استحضار النوطات التي سبقتها على الفور. وفي حال عدم توفر هذا الشرط فسيكون من المستحيل إدراك ما يجري في الزمن.
وهكذا، وبالعودة إلى مفهوم الوعي الزمني أو القصدية ذات الأبعاد الزمنية الثلاث يكون سارتر قد وجد لأطروحته حول وحدة الوعي دعامة قوية. يقوم هذا الدليل على مصادرة أساسية مفادها أن الزمن الداخلي يتألف في الواقع من عدة لحظات مبثوثة فيه بشكل ضمني. والمقصود بذلك أن كل وعي ينطوي في ذاته على الوعي بالماضي الفوري في علاقته بالوعي بما يجري في اللحظة الراهنة وامتداداته نحو المستقبل. وهكذا تتحقق وحدة الوعي دونما حاجة إلى وجود الأنا المتعالي الذي يعتبره هوسرل وكانط الشرط الضروري لقيام تلك الوحدة.
الوعي، الأنا والغير لدى جان بول سارتر - 4


التحليل الفينومينولوجي لظواهر الوعي والأنا والغير
في فلسفة سارتر
(الجزء الرابع)
3-2. معرفة الغير: الغيرية بوصفها غيابا
يرى سارتر أن الذاتية المنشطرة والمنقسمة على ذاتها، الذاتية التي تكون هي ذاتها وغيرها في نفس الوقت، هي وحدها الكفيلة بإدراك ذاتية الغير تتجلى هذه الفكرة بوضوح في أعمال سارتر المتأخرة، وخاصة في بحوثه حول الخيال، تلك البحوث التي اعتمد فيها على مقاربة جديدة للذاتية تنظر إلى الذات الفاعلة على أنها هي "ذاتها وغبرها" في نفس الوقت. ترتكز هذه المقاربة على مصادرة مفادها أن الشخص الذي تمثله الصورة أو التمثل الذهني هو الغير بالنسبة للشخص الأصلي. وهكذا، فإن ما تمثله الصورة أو التمثل هو الغيرية التي تحل محل الشخص الأصلي عند غيابه. ومعنى ذلك أن الشخص عندما يتوارى عن الأنظار يظل حاضرا في الذهن في شكل تمثل أو صورة خيالية، وهي غيريته؛ إن موضوع الصورة يقدم نفسه لحظة الغياب باعتباره غيرية.
تستمد الغيرية، التي يمثلها الموضوع المتخيل، وجودها عند سارتر من الغياب الفعلي للذات الفاعلة الأصلية. يمكن القول بعبارة أخرى إن ما يحضر في التمثل هو غيرية الشخص الغائب الذي تمثله الصورة المتخيلة. فالصورة المتخيلة تجعل صديقي الغائب كما لو كان حاضرا. إن وجوده في مخيلتي أشبه ما يكون بالحضور؛ وبسبب شكل وجوده المتمثل في شبه الحضور يبدو كما لو كان من غير الممكن الوصول إليه والإحاطة به، كما لو أن الصورة الماثلة في الذهن مسكونة بنوع من العدم. فعندما ترتسم ملامح صديقي الغائب في مخيلتي فإنني لا أحس بشيء آخر غير لاوجوده أو فقدانه، مثلما تشعرني صورة عزيز غال علي برحيله الأبدي بعد موته. وهكذا، فإن هذا النوع من الإدراك الحسي للعدم، للاوجود وللغيرية لا يتحقق إلا في حال الغياب الفعلي للشخص.
يدل هذا التحليل على أن المتخيَّل، في نظر سارتر، هو قبل كل شيء صورة حسية أو تمثل حسي للشخص الغائب الذي يمثل النموذج الذي رسمت الصورة على منواله في الذهن؛ ولا يمكن إنتاج هذه الصورة إلا عندما يغيب الموضوع الأصلي. فعندما نرغب في ملاقاة شخص ما، ويكون من غير الممكن إحضاره شخصيا، نستحضره في شكل صورة من صور الخيال في الذهن. لا نتخيل الأشياء إلا عندما تستحيل رؤيتها بالعين، ونعوض عن ذلك برؤيتها بعيون خفية، وهي الفنطاسيا. وكان هوسرل هو أول من أولى لهذه المسألة عناية خاصة، حيث حاول أن يبين كيف تتبدى الصورة في الوعي، وكيف تجعل الغائب يتجلى في الذهن، وكيف ينعش الذهني ويستعمل مادة الصورة لخلق استيهامات أو فنطاسيا حول الشخص الذي تمثله الصورة. وكان هدفه هو صياغة نظرية لتفسير كيفية اشتغال الخيال انطلاقا من تحليل الصورة الذهنية أو الصورة كما هي في الوعي picture-consciousness، نظرية تشمل الصورة الحسية (الذهنية) التي تشبه الصورة الفوتوغرافية والصورة الداخلية (الفنطاسيا) المجرة من الخواص الحسية والتي تشتغل مثلما تشتغل الصورة الحسية بحكم اشتراكهما في الخصائص البنيوية.
ولكن هوسرل تخلى عن هذا المشروع لسبب بسيط هو أن الصورة اللامادية التي يريد إدراجها في تشكيلة الفنطاسيا تؤدي في اعتقاده إلى الوقوع في نوع من التناقض، لأن الغرض من الصورة أصلا هو أن تعكس الموضوع الأصلي وتجعل حضوره في الذهن محسوسا بشكل من الأشكال، بينما تمثل الفنطاسيا الصورة الخالصة المجردة من الخواص الحسية، ولذلك يتعذر الجمع بينهما ضمن مفهوم واحدة.
وتولى سارتر مهمة استكمال هذا المشروع في محاولة لإثبات أن مفهوم الفنطاسيا يشمل الصورة الذهنية الحسية. إن الصور الذهنية في نظره ليست صورا لامادية، فهي صور ذات مضمون فيزيقي، ولكن طابعها الفيزيقي ليس معطى بشكل مباشر، فهي ليست كالصور الفوتوغرافية التي يمكن رؤيتها ولمسها. وأما ما يجمع بين الصورة الذهنية والصورة الفوتوغرافية فهو أن كليهما يستحضر موضوعا غائبا؛ فعندما أستحضر صورة صديقي في الذهن أجدني في وضعية لا تختلف عن الوضعية التي أكون فيها حين أرى صورته الفوتوغرافية. تؤدي الصورتان، إذن، نفس الوظيفة، مما يدل على أن للصورة الذهنية مضمون حسي وإن كان هذا المضمون يفتقر إلى الكثير من التفاصيل مقارنة بمضمون الصورة الفوتوغرافية. ومن هنا يمكن القول بأن الصورة الذهنية هي صورة حسية، تلك الصورة التي تمثل الغائب أو غيريته، وعليها أسس سارتر نظرية الخيال.
تشترط نظرية الخيال عند سارتر أن يكون الشخص الأصلي غائبا، وأما ما تنتجه المخيلة من صور فلا تستحضر منه سوى غيريته. تتحدد الغيرية، إذن، بالغياب، إنها الغياب الكامل للأصل الحاضر في التمثل. فعندما يحضر صديقي أستغني عن الصور التي تمثله في الغياب، ومن ثمة تتوارى غيريته، لأن الصورة الذهنية تقترن بالغياب ولا تعبر إلا عن الغياب وتدل بالتالي على استحالة الوصول إلى الأصل والإحاطة به. ولكن غياب الأصل ليس غيابا كليا راديكاليا أو مطلقا، إنه غياب مؤقت فحسب؛ والسؤال المطروح الآن هو: هل يساعد هذا النوع من الغياب على معرفة الغيرية طالما أنه ليس غيابا كليا ؟

Admin
inviter a tunisia sat
inviter a tunisia sat

Messages : 101
Date d'inscription : 11/11/2009
Age : 32
Localisation : gafsa elgoussa

https://mbarek-sat.1fr1.net

Revenir en haut Aller en bas

نصوص فلسفية Empty Re: نصوص فلسفية

Message  Admin Février 8th 2010, 8:56 pm

1- إفادات الحداثة

يختزن كل تصور للحداثة في ثناياه خلفية إيديولوجية. فالتقدم التقني المستمر في العلوم، والتقسيم العام للعمل، أدخلا إلى الحياة الاجتماعية أبعادا دائمة للتغيير، وخلخلا العادات والثقافات التقليدية. وبالموازاة نتجت توترات سياسية، وصراعات اجتماعية، مما فرض على الدولة الحديثة، وعلى أجهزتها المختلفة التي تعتمد عليها، ضرورة الحداثة في سياق الصراع الإيديولوجي، من أجل ضبط مفاصل المجتمع، والتحكم في مختلف تعبيراته الاعتراضية.

* إن الصراعات المختلفة التي ولدتها الحداثة، بالإضافة إلى مظاهر النمو الديمغرافي، والتمركز الحضري، والتطور الخارق لوسائل التواصل والإعلام، كل هذا جعل من الحداثة ممارسة اجتماعية، ونمط حياة متمفصل مع التغير والتجديد، ولكن، أيضا، مع القلق واللاإستقرار، والتعبئة المستمرة، والذاتية المتموجة، والتوتر، والأزمة. كما جعل منها تصورا مثاليا، أو أسطورة. ولهذا الاعتبار فإن تاريخ ظهور كلمة "حداثة" نفسها له دلالة خاصة. إذ يمثل (حوالي 1850) اللحظة التي بدأ فيها المجتمع الحديث يفكر في ذاته، ويتأمل نفسه بلغة الحداثة. وأصبحت هذه الأخيرة، من ثم، عبارة عن قيمة متعالية، وعن نموذج ثقافي؛ عن أسطورة مرجعية حاضرة في كل مكان، مُغْلِّفَة، جزئيا، البنيات والتناقضات التاريخية التي كانت وراء نشأتها(1).

وإذا كان بعض المفكرين يعتبرون أن الحداثة ليست نظرية بقدر ما تحوز منطقا، ومعالم تميزها عن باقي التصورات التقليدية، فإنهم يرون أن للحداثة مجموعة من الخصائص والأبعاد منها، أولا؛ البعد التقني-العلمي، ذلك أن الازدهار الخارق، لاسيما منذ بداية القرن العشرين، للعلوم والتقنيات، وللنمو العقلاني والمنهجي لوسائل الإنتاج، ولأساليب تسييرها وتنظيمها، تطبع الحداثة وكأنها عصر الإنتاجية المتمثلة في تقوية العمل الإنساني وتشديد السيطرة على الطبيعة، لدرجة أصبح فيها الإنسان والطبيعة مجرد قوى إنتاجية مرتبطة بخطط الفعالية والمردودية القصوى. فالإنتاجية تؤسس، اليوم، لتحول عميق داخل الحداثة يتجلى في الانتقال من حضارة العلم والتقدم إلى حضارة الاستهلاك والترفيه(2).

أما البعد الثاني فيتمثل في المفهوم السياسي للحداثة. ذلك أن الدولة تجسد، بشكل من الأشكال، نوعا من التعالي المجرد، في صيغة دستور، والوضع الصوري للفرد وتحت عنوان الملكية الفردية، وهذه الصيغة، والوضع، والملكية تشكل "البنية السياسية للحداثة"، إضافة إلى العقلانية، والبيروقراطية، والمصلحة المرتبطة بالوعي الفردي الخاص. إن هيمنة الدولة البيروقراطية لم تزدد إلا نموا مع تقدم الحداثة. ولأنها مرتبطة بتوسع مجال الاقتصاد السياسي وانساق التنظيم، فإن الحداثة تتركز في كل قطاعات الحياة، بتعبئتها لصالحها وبعقلنتها على صورتها الخاصة.

يتمثل البعد الثالث للحداثة في اعتبارها "مفهوما سيكولوجيا"، ذلك أنه في مواجهة مبدأ الإجماع ذي المضامين السحرية، أو الدينية للمجتمع التقليدي، فإن العصر الحديث يتميز ببروز الفرد، بوصفه كائنا يحوز وعيا مستقلا. ويجد نفسه، مع ذلك، بصراعاته الشخصية، ومصلحته الخاصة بل وبلا وعيه، محاصرا بنسيج وسائط التواصل، وبالتنظيمات، والمؤسسات، وباستلابه الحديث وتجريده، وبفقدان هويته داخل العمل، والترفيه واللاتواصل... إنه يبحث عن تعويض نسق بأكمله للشخصنة من خلال الأشياء والعلامات(3).

إلا أنه في الوقت الذي يؤكد فيه الجميع على أن الحداثة تتمثل في الثورة التقنية والعلمية، وفي بنية الدولة الحديثة، وفي أساليب التنظيم والتسيير للمؤسسات الاقتصادية والاجتماعية، وفي التجديد المستمر للقيم الثقافية، فإن هذا لا يعني أن هذه المظاهر والأبعاد هي التي تشكل الحداثة، بقدر ما تتحدد في كونها نفيا لهذه التغييرات، وإعادة تأويل لها في شكل أسلوب ثقافي ونمط حياتي وإيقاع يومي. إن الحداثة ليست هي الثورة التكنولوجية والعلمية، إنها لعبة وتضمين هذه الثورة في مشهد الحياة الخاصة والاجتماعية، وفي البعد اليومي لوسائط التواصل، وفي الرفاه البيتي أو في غزو الفضاء. إن العلم والتقنية ليسا حديثين في ذاتيهما، بل إن حداثتهما تتمثل في مفعولاتهما، كما أن الحداثة ليست هي العقلانية أو الاستقلال الذاتي للوعي الفردي الذي يؤسسها، بل إنها ذلك التجديد المستمر لهذه الذاتية الضائعة داخل نسق "الشخصنة" وفي تأثيرات الموضات والتطلُّعات الموجهة.

أنتجت الحداثة نوعا من "ثقافة اليومي"، لدرجة أنه –"اليومي"- أصبح مكونا لمظاهر الحداثة. وإذا كان التقليد يعيش على الاستمرارية وعلى التعالي فإن الحداثة، حين دشنت القطيعة مع القديم والتقليد، وأقامت الاستمرارية، قد انغلقت حول دائرة جديدة، وفقدت تلك الاندفاعة الهائلة للعقل وللتقدم. وأصبحت تختلط، كما يلاحظ البعض، مع اللعبة الصورية للتغيير. وحتى أساطيرها ترتد ضدها (والأسطورة التقنية التي كانت منتصرة سابقا، تختزن في ذاتها كل أشكال التهديد). والمثل والقيم الإنسانية التي راهنت عليها تنفلت منها: إنها تتميز، أكثر فأكثر، بالتعالي المجرد لكل السلطات. معها أصبحت الحرية صورية، وصار الشعب كتلة جماهيرية وغدت الثقافة موضة.

وبالإضافة إلى اعتبار الحداثة متعارضة مع القديم، وتختزن في عملياتها إمكانيات الأزمة، وإمكانيات تجاوزها في نفس الآن، وبحكم أنها تنفلا من كل تحديد مفهومي نهائي، فإن الحداثة، كظاهرة حضارية وكمشروع عَمِل الغرب على تأسيس مقوماته منذ ما ينيف على القرنين، ارتبطت بظواهر وموضوعات أساسية، أهمها: المرأة والمدينة والفردانية. فـ"جور سيمل" (فيلسوف وعالم اجتماع ألماني) مثلا، يرى أن الإنسان الحديث يوجد في حالة قلق دائم، وأن ما يربط المدينة الكبيرة بالحداثة هو الفردانية المعاصرة(4). وإذا كانت النهضة قد اكتشفت قيمة الفرد، برفض النظام القديم، فإن القرن الثامن عشر، وبعده حركة الرومانسية، هما اللذان شرَّعا، بشكل من الأشكال، للفردانية الحديثة. على اعتبار أن هذه الفردانية عبارة عن مطالبة بالحرية الشخصية التي أصبحت قيمة عليا، وليس فقط مجرد وسيلة.

وعلى الرغم من التأكيد الواضح على الأهمية القصوى للفرد داخل صيرورة الحداثة، وعلى احترام عالمه الداخلي والشخصي، فإن الحداثة نسجت مجالا عموميا، تختلف أطره، وقنواته، ونمط تواصله باختلاف المرحلة التاريخية. يسمح -أي المجال العمومي- بإبراز كل الظواهر والتعبيرات. وهو عمومي بمعنى أن ما يُظهر يمكن أن يكون مسموعا ومنظورا إليه من طرف الجميع، سواء كان هذا الذي يظهر أهواء، أو رغبات، أو أفكارا، أو معان، الخ. وبقدر ما يعمل هذا المجال العمومي على جمع الناس يعمل على تفرقهم، أي أن الحداثة نسجت جدلا خاصا للعلاقة بين الذاتية والاختلاف، بين الأنا والآخر. إلى درجة أن فهم الناس للواقع أصبح يتوقف كليا على وجود ميدان عمومي، حيث يمكن للأشياء أن تظهر بالانفلات من ظلمات الحياة المنتسرة، كما تقول "حانة آرندت". لذلك يتعود الإنسان على التساؤل عن علاقته بالعمل، وبالمال، بالآخر، بالزمن، بالموت، وبالحبس داخل السياق الدلالي والرمزي الذي تنسجه الحداثة. واستناد الحداثة على الحرية والفردية والمساواة، لا يعني تماما أنها خلقت في سياق تطورها ما يناقض ذلك. فالفرد، كقيمة، في علاقاته الإشكالية مع الآخرين، بقدر ما ينكفئ إلى ذاته وينطوي عليها، يفرض عليه نظام الحداثة الخضوع إلى إيقاعه وآلياته. الأمر الذي أدَّى بالكل إلى تحميل مؤسسات الدولة الحديثة مسؤولية قلقهم وعزلتهم وصراعاتهم النفسية واستلابهم، إلخ.

كل شيء خاضع للبرمجة وللتخطيط، حتى الرغبات العميقة والحميمة للجسد. وما هو مبرمج هو ما يمكن تقويمه كميا. حتى الزمن يوظف في إطار المردودية والحساب الاقتصادي العام.

ومهما يكن من أمر، فالحديث عن مظاهر الحداثة، كما أنتجتها الحضارة الغربية، لا يمكن أن يقتصر على إطار جغرافي بعينه، لأن الحداثة، منذ بداياتها الأولى، برزت في شكل إرادات للقوة تسعى إلى الهيمنة والتوسع والانتشار. وبحكم أن أغلب مناطق وبلدان الجنوب خضعت لسيطرة الدولة الاستعمارية، وبسبب كون هذه البلدان تتميز بثقل هائل للتقليد على أنماط السلوك وطرق التفكير، فإن الحداثة مثلت صدمة حضارية خلخلت كيان الإنسان في هذه البلدان، وفيها عبرت -أي الحداثة- عن أكثر مظاهرها عنفا وشراسة. وذلك من منطلق اعتبار أن الاستعمار كان قوة تحديثية ونموذجا لـ"تحديث" أكثر البلدان تخلفا وانحطاطا.

غير أنه في غياب تطور سياسي وصناعي، يغير العقلية التقليدية الموجهة لسلوك إنسان الجنوب، فإن ما برز في الحداثة هو مظاهرها التقنية الأكثر قابلية للتسويق، وليس عملية العقلنة الطويلة الأمد التي يفترضها المشروع العام للحداثة. هذا إذا سلمنا بأن بلدان الجنوب كانت مستعدة لإدماج قيم الحداثة في صيرورة تطورها بعد الاستقلالات. لذلك فإن تحاليل الانتروبولوجيا السياسية بعد الحرب العالمية الثانية، أظهرت أن الأمر ليس بهذه السهولة،وأن النظام التقليدي (القبلي، والعشائري والنسبي) واجه التغيير بمقاومة قوية، حيث عقدت البنيات الحديثة (الإدارية والدينية والأخلاقية) مع التقليد تسويات غريبة من نوعها. بل إن الحداثة تظهر، دوما، وكأنها انبعاث ما للتقليد.

يوفر مبحث الأنتروبولوجيا إمكانية خلق المسافة الضرورية للنظر في عمليات الحداثة، سواء كانت تجري في الغرب أو كما تطبق بعض إنتاجاتها في بلدان الجنوب. وإذا كانت الانتروبولوجيا نفسها من إنتاج الحداثة، على اعتبار أن العلوم الاجتماعية والإنسانية نشأت، بشكل متساوق، تقريبا، مع إنجازات الحداثة، فإن هذا العالم يوفر إمكانية القول بأن الموقف الجذري تتخذه الحداثة من القديم ومن التقليد لا يحقق دائما غاياته لأنها لا تستطيع إلغاء ما هو كامن في الذاكرة وساكن في اللاشعور الجمعي. ومن ثم يبقى التقليد حاضرا بالرغم من اجتياح مظاهر الحداثة.

ولهذا السبب، برز في تاريخ الأفكار الغربية، لاسيما ابتداء من الستينات، تيارات فلسفية وعملية، تدعو إلى نقد الحداثة وتفكيك عقلانيتها، وإعادة النظر في قدرة العقل، وفي معاني الكلمات والأشياء. وقد نعتت هذه التيارات بأنها تمثل "ما بعد الحداثة. كل شيء أصبح قابلا للتأويل والنقد والتفكيك. وأصبحت المعرفة العلمية نفسها عبارة عن خطاب يتعين استنطاق مكوناته، وطبيعة علاقاته مع السلطة، وتفكيك الأطر المرجعية التي تمنح للسلطة مشروعيتها، وتوفر لها شروط التوازن وضبط النظام.

هكذا تتورط الحداثة في لعبة السلطة وتغدو، هي بدورها، عنصرا تنظيميا تحتاجه آليات المجتمع الحديث الذي يبدو أنه، مع صيرورة التحولات، فقد كثيرا من خزانه الرمزي، لاسيما فيما يتعلق بالتعبيرات الثقافية الصميمية التي تنتجها الجماعات والأفراد. فالحداثة، إذن، بالرغم من استبعادها للتصورات التقليدية من ساحة الفعل السياسي والثقافي، في الغرب على وجه الخصوص، قد بقيت، كما يرى هابرماس، مشروعا لم يكتمل بعد(5).

2- المؤلف وانزياحية الذات

كيف تم ويتم تقديم مفهوم المؤلف في الثقافة الحديثة؟ وما هي التحولات المعرفية والجمالية التي حصلت على نمط –أو أنماط- التمثل في الأنظمة الرمزية التي أنتجها المجتمع الحديث؟

إن مفهوم الذات، بالرغم من الاختراقات النظرية الذي تعرض لها، حافظ على كثير من حضوره في الأنسجة العامة للمجتمع الحديث، فسواء كانت الذات تجليا لتمويه إيديولوجي، أو لتخيل ميتافيزيقي، أو لانشطار وجودي، فإن الذات حين تقترن بفكرة المؤلف تبدو وكأنها تمثل لحظة قوية للفردنة في تاريخ الأفكار الغربية(6). صحيح أن الكتابة خضعت لكل تفجرات أنماط التواصل، وأعادت، في كل مرة، النظر في أشكال علاقاتها بالمعنى والفهم، إلا أنها –أي الكتابة- تحررت، في بعض جوانبها، من مسألة التعبير، كما يقول "ميشال فوكو"، لأنها أصبحت لعبة من الرموز والعلامات، تترتب وتترابط، ليس من أجل تبليغ مضمون بواسطة المدلول،بل إن ترتيبها وترابطها، يكتسبان قيمتهما من طبيعة الدول المستعملة ذاتها. فالكاتب، مهما كانت نواياه ومقاصده، ذات مُظللة، لأنها تعمل على إخفاء كثير من تفاصيل فردانيتها. ولأنها في كل الأحوال،تخضع لآليات الكبت والنسيان، أو تسقط في لعبة الترميز والتحايل. ومع ذلك ما زال للمؤلف وظائف. وتوقيعه إعلان عن هوية، منسجمة، متوازنة أو منشطرة، لا يهم، لأن اسم المؤلف يغدو حاسما في إيجاد خطاب ما داخل تشكيلة خطابية محددة(7).

غير أن النظام الرمزي الحديث شرس في رهاناته واختياراته، لأنه يملك من القوة ما يسعفه على إعلاء شأن هذا المؤلف وإقصاء ذاك. وتعرض مفهوم القيمة ذاته لاهتزازات كبرى. إذ أصبح نمط التداول داخل السوق الرمزية هو المتحكم في أشكال الذوق، وفي صيغ الأحكام، وفي التأثير على أسلوب التلقي والاستعمال. لابد إذن من توقيع للنص. حتى ولو لم يرق صاحب التوقيع إلى مستوى المؤلف. السبب في ذلك أن الحضارة الراهنة لا تقبل، في المجتمع الأدبي، نصا غفلا. التوقيع شرط الاعتراف، أي التوقيع المندرج في لعبة التواصل الخاضع لمقاصد الرأسمال الرمزي. من هنا يلاحظ "ميشال فوكو" أن الثقافة الغربية لا تتحمل الغفلية الأدبية، ولا تقبل إلا بصفتها لغزا.

أما في المجال السمعي-البصري، وعلى صعيد السينما، فإن مفهوم المؤلف اكتسب خصائص أخرى. ذلك أن الفيلم يخترق، من حيث المبدإ، الأساس التشريعي لوحدانية التأليف.ويفرض اعترافا، بالرغم من كل المقاومات، بتعدد المؤلفين، حتى لو تم التسليم بحقوق إبداع الكاتب والمخرج، قياسا إلى حقوق المنتج والموزع. يتعلق الأمر بهويات متعددة في الإنتاج السمعي-البصري، مع ما يفترضه هذا التعدد من كشف عن الفعل الإبداعي في الإنجاز السينمائي. وهكذا تخلخل مع السينما، والمجال السمعي-البصري، مفهوم المؤلف من أساسه. أولا، بسبب تعدد المؤلفين والفاعلين إبداعيا في العمل السينمائي؛ وثانيا لأن هذا العمل يستمد شرعيته ووجوده من هذا التعدد ذاته. فالتدخلات الجزئية في العمل الفني العام، تمنحه كثافة وتعددا على مستوى الحساسيات، والمهارات، والرؤى، والتخيلات. لاشك أن هناك عينا فاحصة ترتب كل هذه التدخلات، أو عقلا منظِّما يضبط العطاءات الفردية ضمن النسيج الإبداعي للعمل السمعي-البصري.

يختلط مفهوم المؤلف بمسألة التوقيع على هذا الصعيد. وكلاهما يفترضان سؤال الذاتية والهوية. فالحداثة، كما عبَّرت عن تجلياتها في الزمن الراهن -وهو ما يفضل البعض تسميته بما بعد الحداثة- وضعت الذات في موقع تناقضي، تدعوها فيه إلى الانشطار والتوزع. تستمد الذات المبدعة، أو غيرها، في العمل الفني الفردي أو الجماعي، بعض عناصر هويتها من القوى الاجتماعية التي تكيفها، وتؤثر في وجودها. ويسمح الفكر النقدي بملاحظة أن هذه القوى المؤثرة في الذات، سواء كانت قوى يمكن تحديدها أو تنفلت من التحديد، تموضع الذات في مكان ما، تؤطرها اجتماعيا،وتملي عليها هوية كثيرا ما تكون خادعة. بمعنى أن الذات -والأمر هنا يتعلق بالمؤلف- أصبحت في موقع إشكالي، بسبب الاستراتيجيات المختلفة المتحكمة في وجودها. هكذا يغدو الفن خدعة، ويتحول مفهوم المؤلف إلى استعارة مغرية(8).

Admin
inviter a tunisia sat
inviter a tunisia sat

Messages : 101
Date d'inscription : 11/11/2009
Age : 32
Localisation : gafsa elgoussa

https://mbarek-sat.1fr1.net

Revenir en haut Aller en bas

نصوص فلسفية Empty Re: نصوص فلسفية

Message  boulegreb Février 8th 2010, 8:58 pm

ومع ذلك هناك مؤلفين وكتابا وسينمائيين يتجرأون على التوقيع، وعلى منح الإبداع هويتهم الخاصة، بل وهناك "مراكز وعي" تنتج أعمالا فنية تنفلت من النظام التجاري، خصوصا ضمن الآلة الإنتاجية الأمريكية. إن النظام الهوليودي نظام جبَّار. مفارق وكاسح. لقد تمكن من صنع الذاكرة والتجربة. لأنه نجح في رصد كثير من وقائع القرن العشرين، وأعطى للزمن، والحركة، والصورة كل الصفات الممكنة واللامتوقعة. هيمن المنظور الأمريكي، بشكل طاغ، على أنماط الإنتاج والتداول، بالرغم من استقطاب حساسيات ثقافية مختلفة، إلا أنه في النهاية، جعل من المؤلف -أو المؤلفين- أداة داخل أجهزة إيديولوجية، ورمزية تخترق أطر الفردانية والذاتية، بل ولا تعترف بحدود الوطن والوطنية.

مأساة الفنان أو المؤلف، في إطار النمط الإبداعي لما بعد الحداثة تتمثل في مشكلة الاعتراف. فالمؤلف، كمُوقع على عمل فني، يستدعي منا الاعتراف باسم وبهوية صاحبه. ليس فقط باعتبار أن ما يقدمه لنا من عمل يشكل أسلوبا خصوصيا للوعي بالعالم، بل كإسم يمنحه لنا للاعتراف به.

3- الصورة وقلق الفكر

يبدو أن الصورة اكتسبت، اليوم، صفة اجتياحية. فهي تغري وتقلق. تظهر تارة وكأنها من أكثر الوسائل نجاعة في عملية توسطها بين الفكر والعلم، وتارة أخرى تتقدم بشكل استفزازي، بسبب كونها تسعى إلى الحلول محل الحقول الأخرى. تنتعش الصورة بشكل مذهل ومدهش. لقد أصبحت تخلق "الجمهور"، بل و"سكانا" وقرى وقبائل بفضل التقنيات الجديدة. وبلغت نسبة عالية من الحرية لدرجة تسمح لنفسها بكل شيء. أكثر الناس تفاؤلا يعتبرون أن الصورة أصبحت تمثل الفاعل الرئيسي في ثورة وسائل الإعلام، وفي التغيير الهائل الذي يحصل على الثقافات. أما مستنكري المغامرات فإنهم يتهمونها بكونها تكثر في المظاهر، وتحل محل الوقائع لممارسة ما يسميه "جان بودريار" بـ"الإغراء الجهنمي". وأول المتهمين في كل ذلك هو التلفزيون.

التقنية تلوث للحواس وانفصال في العواطف. ومن تم فإن التفجر الهائل للصور يدفع بكثير من مفكري الغرب،وغيرهم، إلى القول بنشوء واقع جديد من طبيعة افتراضية. لم يعد الكلام، على هذا الصعيد، يقتصر على الصور المركبة، أو الصور الرقمية، وإنما عن "الوسائط المتعددة". خف النقاش الجاري حول هذه الوسائط تصورات جديدة للعلاقة مع الفضاء، يمكن تلخيصها في تصورين رئيسيين اثنين: الأول واقعي والثاني افتراضي. والمرء سيجد نفسه، إن لم يكن قد بدأ في ذلك بالفعل، أمام واقع مزدوج ومقسم، بين جماعة لها وجود واقعي، وأخرى ذات حضور افتراضي. كل شيء قابل للانشطار. وكل ذلك أصبحممكنا بفضل ما يسميه "بول فيريليون" بـ"عولمة الزمن"، أو بـ"الحضور المتحكم فيه عن بعد"(9). لا يمكن أن نفهم أي شيء عن الواقع الافتراضي دون الوعي بأن الزمن أصبح عالميا. لاشك أن الزمن ما زال أزمنة مختلفة باختلاف الثقافات والحضارات والجهات. لكن ثقافة الصورة والإدراكات البصرية التي تولدها، خلقت حالات من المباشرية، والحضور الكلي بشكل لا يساعدان الرؤية والممارسة والفعل الموجَّه فقط، وإنما يسعفان على ممارسة افتراضية للمسافات. إننا نسكن عالما يتزايد مضمونه الافتراضي(10).

بل إننا، منذ بداية الراديو والتلفزيون ونوجد في قلب الافتراضية. أما التقنيات الجديدة فإنها في الوقت الذي تتصارع من أجل توجيه الزمن العالمي، فإنها ستقصي، عمليا، كل من لم يفهم لغتها الجديدة ومفهومها للواقع وللعالم.

أصبح نظام الإعلام المصور ينتصر على الأشياء، وبواسطته أي الأشياء تتقدم إلينا في هيئة تمثلات. وهذا ما يسميه "فيريليو" بـ"هزيمة الوقائع وانتصار الأثر المبهر". يفقد الواقع واقعيته لصالح إعلام منقول. هو نفسه في خدمة البلاغ. يملي هذا التحول تصورا جديدا للزمن الواقعي، وللزمن العالمي. إذ لم يعد الزمن عبارة عن لحظات متعاقبة في سياق تاريخ. إنه زمن يُعرض. ومن ثم فإن شريط الزمن هو الذي ينتصر على الزمن. إذا الزمن فيلما يعرض ذاته. ومن ثم، وبعد أن تعودنا على الزمن التتابعي –ماضي،حاضر ومستقبل- نجد أنفسنا أمام زمن آخر زمن الاستعراض.

يتعلق الأمر بثقافة بصرية جديدة. وإذا كان الرسم قد مثل نوعا من التحليل النفسي للقرن السادس عشر، فإن السينما هي بمثابة التحليل النفسي للقرن العشرين، كما يرى "ريجيس دوبري". فكل مرحلة تاريخية لا وعيها البصري، وعلى المفكر أن يُعمل الفكر فيه، أن يستنطقه، أن يبرز ما يكشف عن تعبيرات الوجود أو عن حيل الوهم. لاسيما وأن الشكل يتميز بإيقاع سريع، في حين أن الخطاب غالبا ما يكون بطيئا في تحولاته. بل إن الحداثة التقنية، في تجلياتها الأداتية، حين أنتجت وسائط جعلت من الواقع معطى افتراضيا، وولدت حالات ذهنية وشعورية أقرب إلى الانفعال منها إلى العقلانية.

شهدت النظرة الغربية ثلاث مراحل في تطورها التاريخي، حسب "دوبري"، تكثف الأنماط التوسطية الثلاثة التي عرفتها الإنسانية، وهي: الكتابة، المطبعة، والسمعي-البصري. تقابل هذه الأنماط أنظمة رمزية وثقافية، تمثلت في الأوثان، والفن، والمرئي. لكل من هذه الأنظمة قواعده ومعاييره، لكن دون نفي متبادل بينهما(11).

وما دمنا نعيش "العهد البصري"،بكل ما يملك من قوة جبارة على التأثير في إدراكنا ونظرتنا لذاتنا وللواقع، فإن الواقعي والبصري يتداخلان إلى درجة الالتباس. حضور طاغ للصورة وللمرئي. وغياب شبه تام للحجاب. إذ تعمل أدوات الثقافة البصرية على التدخل في كل شيء، وغالبا ما يكون ذلك بشيء من الوقاحة. لا شيء يمكن الانفلات من قدرتها اللامحدودة على الكشف والرؤية، لأنها تحول الخاص إلى عام. تنظر إلى كل شيء وتنظم طقوس عرضه.

ومعلوم أن القاعدة الأساسية في السينما تتمثل في الامتناع على النظر إلى الكاميرا، لأن ذلك يضمن إمكانية التخييل، والوهم السينمائي. رفع هذا الامتناع مع التلفزيون، حين تقرر القطع مع الوهم المتمثل. فجهاز التلفزيون يفترض -من بين ما يفترض فيه- النظر إلى الكاميرا، لأنه يعرض على الأنظار ما لا تنظر إليه. إن التلفزيون، واقتصاد الصور الذي ينتج، يغدو حضورا في عالم ينسحب منه الحضور. تضخم الصور شوش على النظر. خصوصا وأن التلفزيون لا يشترط انتباها دقيقا بقدر ما يستدعي انتباها متموجا ومنزاحا. هذا الجهاز الذي نشغله ونتركه مشتعلا بدون النظر إليه أحيانا، أصبح يحتل مكانة "وجودية" في فضاء العلاقات الحميمية. تحدد برامجه استعمالات الزمن. وكأن الأمر يتعلق بطقس "ديني". لقد عمل التلفزيون، بذلك، على خلخلة كثير من الأشكال التقليدية للحياة، وذلك بإرجاع كل شيء إلى الحدثي وإلى الراهن. فالاختزال هو مفتاح اللغة التلفزية.

وإذا كانت الحداثة قد استجابت للميل الجارف نحو إعادة إنتاج التقنية للحفاظ، ظاهريا، على ما لا يمكن التعبير عنه ضدا على ما يخضع للتمثل، فإن اختزال العالم إلى تمثل يشكل،في عمقه، ادعاءا حداثويا. فإعادة إنتاج التقنية، وحدها، تصبح متطابقة مع الأشياء لأنها تلغي الفكرة، والعلامة، والذاتية.

تفرض الهيمنة الثقافية للنظام السمعي-البصري، وعلى رأسها الصور التلفزية، قلقا فعليا على الفكر. فهي كثيرا ما تنفلت لإرادة المعرفة العقلانية. لذلك فإن هذه الامبراطورية المرئية تخضع لقوانين لا يتحكم فيها العقل التحليلي تماما، لأنها توظف آليات انفعالية لا أحد يجرؤ على ادعاء التحكم فيها كليا. هناك لغزا ما في اللغة التلفزية. لا الصحفي، ولا التقني ولا رجل السياسة، ولا المبدعون يعرفون، مسبقا، ماذا يمكن أن يحدث من تأثير على حميمية المتلقي. لأن التلفزيون، من حيث طبيعته، ينتج بلاغات،في الغالب الأعم، لا تستجيب لشروط اللغة، ولا لقواعد التفكير، ولا هي صور خالصة، ولا هي مجرد استنساخ للواقع. إنها خليط معقد من كل هذه المستويات. معقد لدرجة أنه لا أحد يدعي القدرة على التحكم فيه، وعلى تسييره بشكل تام.

تتطور الأمور بشكل يؤكد على أن ما تنبأ به كل من "هوركهايمر" و"آدورنو" في الأربعينات أصبح واقعا يوميا في الزمن الراهن. إذ لاحظا أن وسائط الاتصال أصبحت تكون نظاما منسجما ومتناسقا. وبقدر ما يتحقق العالم بوصفه عالما ظاهريا، يخفي هذا الظهور تلك الإيديولوجيات المتحكمة فيه. ومن تم، فإنه بفضل التلفزيون غدت وسائط الاتصال تتقدم وكأنها أساطير "الوجود"، و"الواقع"، و"التواصل". فالخاص لم يعد خاصًّا. والعالم أصبح يصنع بدقة محسوبة. ذلك أن التلفزيون جعل من الجمهور كتلة قابلة للتوجيه، وللتأطير داخل قوالب وأنماط، لا تقبل ما يخرج عن أطرها وتخطيطاتها العامة. لدرجة أن الوجود غدا ملغوما، أو وجودا ظاهريا. ذلك أن الوجود، كما تظهره وسائط الاتصال، هو وجود "يتلاءم" مع هذه الوسائط ذاتها، ويناسب انتظارات "الجمهور" كذلك أحيانا. فالجمهور يعاند كل ما هو مختلف، لأن ما هو مختلف إما أنه لا يتحمَّله وإمَّا أنه يُغبِّر عنا هو محروم منه.



الهوامش

(1) Jean Baudrillard; La modernité, Encyclopedia Universalis, Volume 11.

(2) أنظر محمد سبيلا مدارات الحداثة، دار عكاظ، الرباط، 1988،ص91 وما بعدها. وكذلك محمد نور الدين أفاية، الحداثة والتواصل في الفلسفة النقدية المعاصرة، نموذج هابرماس، دار أفريقيا، الشرق، الدار البيضاء-بيروت، الطبعة الثانية، 1998، ص112-113.

(3) Jean Baudrillard, op. cit.

(4) Georg Simmel, Philosophie de la modernité, la femme, la ville, l’individualité ; Ed. Payor, Paris, 1989, p. 282.

(5) J. Habermas, Discours philosophique de la modernité, Ed. Gallimard, Paris, 1988, p.3.

(6) Luc Ferry, Homo Aestheticus, l’invention du goût à l’âge démocratique ; Ed. Grasset, Paris, 1990, p. 42.

(7) Roland Barthes, Essais critiques, Ed. Du Seuil, Paris, 1964, p. 147.

(8) Maurice Blanchot, L’espace Littéraire, Ed. Gallimard, Paris, 1955, p.53.

(9) Paul Virilio, L’horizon négatif, Ed. Gallilée, Paris, 1984, p. 31.

(10) Daniel J. Boorstins, L’image, Ed. U.G.E, Paris, 1971, p. 270.

(11) Régis Debray, Vie et mort de L’image, une histoire du regard en Occident, Ed. Gallimard, Paris, 1992, pp.221-222.
boulegreb
boulegreb
membre mbarek
membre mbarek

Messages : 23
Date d'inscription : 11/11/2009

Revenir en haut Aller en bas

نصوص فلسفية Empty Re: نصوص فلسفية

Message  boulegreb Février 8th 2010, 8:59 pm

(مؤتمر "كلمة سواء" السنوي الرابع: "الهوية الثقافية")


(كلمات الجلسة الثالثة)

الدكتور جميل قاسم

الاختلاف والاعتراف نقد المشهد الثقافي



"السؤال تقوى الفكر"

مارتن هيدغر

جاء في الحديث الشريف" اختلاف أمتي رحمة "( الطبرسي) ويقول:سانت إكسيبري:" أخي شتان أن يضنيني، إن اختلافك عني يثريني ".

فإذا كان الخلاف نقمة فالاختلاف رحمة، وإذا كان الاعتساف مثلبة فالاعتراف حسنة. والاختلاف يقبل الغيرية، غيرية واختلاف الآخر. والاعتراف، يقر الاختلاف ويسوغه في "الذاتية"، ذاتية الذات والموضوع، في تكوثر المحمولات، وتعدد الحقيقة الواحدة.

ومنطق الاختلاف من طبيعة فكرية محض، ووجودية محض، وهو منطق تفاضلي صرف من الوجهة العقلية والوجودية (الفلسفية).

أما منطق الاعتراف فهو من طبيعة عقائدية، دينية، أو إيديولوجية، وهو يقبل الغيرية كاختلاف عملي، فعلي "براغماتي"، يقبل به كاختلاف مقيد.

والعصور الحديثة، تقوم على جدل الاختلاف الدهري (الوجودي) والاعتراف الديني (الخلاصي). فإذا جعل المرء الحرف وراءه، واعتبر العبارة حرفا، والحرف حجابا "والحرف يميت بينما الروح تحيي" كما يقول القديس بولس تصبح المعرفة واليقين مرادفة للجهل والريبة "كل ما أعرفه أنني لست أعرف شيئا" يقول سقراط "والمعرفة التي ما فيها جهل وريبة هي المعرفة التي ما فيها معرفة" يقول النفري ومعرفة اللامفكر به شرط جلاء الفكر، والعلم في الغيبة، لا في الحضرة والرؤية فقط. والحضرة أو الرؤية حرف واتفاق وظاهر وائتلاف، والغيبة والريبة روح ومعنى وباطن واختلاف.

لا حكم للحرف، فما هو مناط الحكم والحاكمة إذن؟ مناط الحكم، والحال هذه، النصاب، والنطاق، والمقام. فإذا عرف المرء مقامات الحكم ومقالاته، ومجال المعرفة وتجلياتها، والحق في تعدد الحقيقة، دون ان يخلط نصاب العقل، بنصاب الوحي، ولا نصاب الشرع بنصاب الشعر، ولا مجال العلم بمجال الأدب والجمال، تمكن من البصر والتبصر، والنظر والعمل، وأدرك القرب والبعد، والفقد والوجد، وميز الرؤية والغيبة، واليقين والريبة، والاختلاف والإعتراف، ووعى الفرق بين الفرق.

لا يعني هذا أن المعرفة ليست تكاملية، في اتصال الحق بالحقيقة، واللاهوت بالناسوت، والحق والخلق، والملة والفلسفة، والعلم والعمل، والعقل والنقل، والايمان والعقد، والبرهان والعرفان. ولا يعني اختلاف المقام انفصال الفلسفة عن الملة، إذ ثمة فلسفات دينية مشائية-اشراقية، وبرهانية-عرفانية، وعقلية-حدسية، لكن ما ينبغي استدراكه هو ان مجال الحقيقة غير مجال العقيدة، ونطاق الفلسفة، كنظر بالموجودات كموجودات، على ضوء العقل المحض، والفكر المحض، هو غير النظر في الموجودات، من حيث دلالتها على الصانع أو الشريعة أو"الكتاب". وهذا التمييز هو أساس ومناط الاختلاف الدهري والاعتراف الديني.

لا يعني هذا التصنيف أنه تصنيف مبرم، فالثورة الأعلومية(الابستمولوجية) والتأويلية (الهرمنطيقية) والدلالية ( السيميائية: من علم السيمياء) أدخلت الدلالة على الكلمة، والنسبية على العقل، والقيمة على المفهوم، في نقد النزعة التمركزية-العقلية، وبذا وضُعت سلطة العقل الكلي (اللوغوس) على محك النقد والنظر، وأعيد تقويم مباديء العقل الكبرى (مبدأ الهوية، والتناقض، والثالث المرفوع) على ضوء العلم، في أسبقية العلم على العقل. وصار منطق الاختلاف، بناء على هذا يقبل الغيرية، كاختلاف تفاضلي، في ذات الشيء، كما يقبل الوسطية والبينية.

كما يقبل الاعتراف بالاختلاف والوسطية والبينية كالإقرار بما هو تطوري، وفعلي، وعملي (براغماتي) في اطار، ما هو كلي وبنيوي وتزامني وعقائدي ومحكم.

إذا كان الاختلاف من طبيعة أنطولوجية (فلسفية محض) وكان الاعتراف من طبيعة أخلاقية، فإن ذلك لا يعني أن الديني لا يقترن بالدنيوي، والدهري لا يحايث القدسي، فالسلوك الدهري كامن في السلوك الديني، والسلوك الديني، محايث في التصرف الدهري، ذلك أن اشياء العالم الدهرية ذات قيمة "انطولوجية"، قدسية، متعالية، من حيث جلال وقداسة الطبيعة والوجود. والانسان الدهري-كما يرى علم ظواهرية الأديان - يقدس الوجود في حنينه للأرض، وعلاقته بالمكان والزمان، بطريقة محدثة، والمسلك الدهري الذي يسلكه الانسان الحديث في الحفاظ على البيئة، والرفق بالحيوان - ناهيك عن الانسان - والحنين الى مسقط الرأس، هو سلوك ديني، قدسي متعال، لايختلف عن اشكال السلوك المقدسة والدينية والرمزية الأخرى.

كما اننا نجد السلوك الدهري، والطبيعي، والعملي، وحتى المادي، في السلوك الديني، في الفكر والعلم، والعمل، والمأكل والملبس والمسكن، والزي والزينة، والآداب العملية الأخرى.

كيف تتجلى اشكالية الاختلاف والاعتراف في الفكر العربي المعاصر؟ هل يعترف الفكر الدهري بحق الفكر الديني في الاختلاف؟ وهل يقبل الفكر الديني بحق الاعتراف بالآخر الدهري؟ وكيف نفسر إذن حالات النبذ المتبادلة - واختفاء المحتفى به الامام السيد موسى الصدر عيِّنة على رفض الاختلاف، كما أن حالات أخرى كاغتيال المفكر حسين مروة مثلا، عينة أخرى على رفض الإعتراف. هل نأمل بأن يتضافر الأصلاح الديني، مع النهضة الدنيوية للدخول في حداثة عربية- اسلامية، ذات نزعة انسانية تقوم على مبدأ الاعتراف والاختلاف، في علاقة الانسان بالله، والانسان بالآخر، والفرد بالدولة؟

الفكر الفلسفي هو الفكر المحض، الحق لذاته، الذي لا يتحدد ويتعين بأية قيمة سابقة أو لاحقة على الفكر، في دهشة الوجود والمعرفة، هو الفكر المُحْكم (الابستمي- باللغة اليونانية - أي الدقيق، العلمي، المنطقي، العقلي). وإذا كان ثمة مرجعية للفكر فهي مرجعية النقد، والنقض (بالضاد) بحثاً عن القيمة والعلامة والمعنى. ولذلك تؤدي الاسئلة في عادة النقد وقانونه إلى نقد الاسئلة، فيحيل سؤال العقل نفسه، في الفلسفة الحديثة إلى نقد العقل ونقد النزعة التمركزية العقلية (العقلاطية). لقد صار المفهوم المعرفي (الإبستمي) للفكر الفلسفي (بمقولاته ومبادئه ومقالاته القائمة على سلطة العقل الكلي (اللوغوس) يقترن بالثورة الأُعلومية (الابستمولوجية) والدلالية والتأويلية التي أدخلت الدلالة على الكلمة، والنسبية على الحقيقة، والقيمة على المفهوم (باعتبار أن للمفهوم قيمة "قوة" محددة لقيمته)، وبهذا أُعيد تقويم مباديء العقل الكبرى على ضوء العلم، في اسبقية العلم على العقل.

ومنذ أن وُضع العقل على معيار العلم، صار سؤال العقل يحيل إلى نقد العقل وملكاته (الأُفهومية العاقلة، والفاهمة المدركة، والجمالية الذوقية). وصارت الحاكمة أو ملكة الحكم موضوعة هي نفسها، على محك النقد. فالحُكم العقلي، حُكم الذات العاقلة في النفس، يختص بالأحكام الظواهرية، الوضعية، الإحصائية، وهذه تنطبق عليها مباديء العقل الوضعي (كمبدأ الهوية حيث لا يمكن ان يكون الموجود هو هو، وهو غيره، في ذات الوقت والآن والزمان والمكان والوضع والحال. وحيث يتحدد الانسان بهوية الانسان، بالخصائص العديدة التي نطلق عليها إسماً أو صفة واحدة، هي الماهية، أو الذاتية، أو الهوية.

ومبدأ التناقض يحكم على المختلفات في ذات الاشياء والموضوعات بأنها متعارضة، متناقضة، والتناقض يعني ازدواجية واختلاف الحكم على الموضوع الواحد، في ذات الوقت والوضع والحال الخ. كأن يكون الشيء صغيراً وكبيراً في ذات الشيء، وموجود وغير موجود، ومتحرك وساكن، وحي وميت.

أما مبدأ الثالث المرفوع فهو مبدأ انعدام الوسط. فالشيء إما يكون أو لا يكون، إما يوجد أو لا يوجد، إما أن يكون ساكناً أو متحركاً الخ. وهذه المبادىء تعتبر مبادئ صحيحة، ودقيقة في مجال الحكم الأفهومي، حكم العاقلة المنطقية.

أما الحكم الجمالي (الاستيطيقي) فهو حكم ذوقي، يجمع الهوية والغيرية في ذات الشيء، ويقرن المتناقضات، ويقبل الوسطية، المرفوعة، الممتنعة في المخيلة الجمالية فيكون الإنسان أسداً (أبا الهول) أو ثوراً بابلياً، أو كائناً يرى الماضي والحاضر بذات العين الواحدة "جانوس" أو يدمج الحلم والواقع في نظرة واقعية مطلقة (سوريالية) الخ. ومناط هذا النوع من الحكم الإحساس والمخيلة.

والحُكم الميتافيزيقي يتمايز بدوره عن الاحكام الاخرى، ويختص بالموجودات الأولية، كالله تعالى، والنفس والعالم والوجود المحض، وهذا الحُكم من طبيعة حدسية، تقوم فيها المعرفة على التأمل المحض، والوحي، والتجرد. ويختص بالموضوعات الجوهرية، المتعالية. ومناط هذا النوع من الحكم الروح والقلب والضمير.

يترتب على هذا التصنيف في اشكال الحكم التمييز بين التضاد والخلاف، من جهة، والاختلاف والإعتراف من جهة أخرى. التضاد والخلاف يقوم على التعارض والتناقض، والنفي والإقصاء. أما الاختلاف فيؤكد الاختلاف كإختلاف تفاضلي، دلالي في ذات الشيء، فيقبل الذاتية والغيرية والوسطية أو البينية. والاختلاف حسنة بينما الخلاف مثلبة. وإذا كان الاختلاف من طبيعة أنطولوجية (فلسفية محض) فإن الإعتراف من طبيعة اخلاقية وثقافية ودينية، تقرن الديني بالدنيوي، والدهري بالقدسي.

كيف تتجلى اشكالية الاختلاف والإعتراف في الفكر العربي المعاصر؟ وهل يمكن ان يتضافر الاصلاح الديني مع النهضة الدنيوية للدخول في زمانية الحداثة في الفضاء العربي الإسلامي، كما حدث في الغرب. فالثابت أن تضافر شرطي الإصلاح والنهضة هو الذي مهّد للحداثة الغربية على كل أصعدة الوجود. وتأكيد توما الاكويني على الطابع "الطبيعي" للدولة هو الذي مهّد للفصل بين الدين والدولة، بناء على نظرية " الحقيقة المزدوجة" (حقيقة العقل وحقيقة الوحي). وقد نادت الرشدية اللاتينية بتمييز العقل عن الايمان، باعتبارهما ميدانين لا يمكن لأي منهما أن يخضع للآخر، بفصل الدولة عن الكنيسة، والدين عن الدولة. إن عملية التدهير التي ظهرت في العصر الحديث قامت على مبدأ الاعتراف، والشهادة، في علاقة الانسان بالله، والإنسان بالآخر، والانسان بالدولة، على أساس المبدأ العلماني، وهو بالتعريف الايجابي: الضامن القانوني لحرية الوعي والعقيدة والفكر في مواجهة الاكراه الدولوي.

وهناك فرق في الدينية الحديثة بين العلمانية (وتعني بالمعنى القاموسي الانطلاق - من - الوجود في العالم ) وأساسها الفصل بين الدين والدولة دون التضحية بالبعد الروحاني والقدسي ومناوئة الروحانية الدينية والفلسفية، وبين العلماوية laicisme الوضعية، الجذرية المناوئة للقيمة الدينية.



توطئة

بعد موت ابن رشد، وانتقال الرشدية الى الغرب اللاتيني لم يبق في العالم الاسلامي من أمارات الابداع الفكري ( في ظل الحنبلية والاشعرية، بصورها القديمة والمستحدثة) إلا الفلسفة الإشراقية المتمثلة بفلسفة صدر الدين الشيرازي (توفي سنة 1050هـ 1645م) في ازدهار الفلسفة الظواهرية القائمة على فكرة الحركة الجوهرية، ونظرية أصالة الوجود. والشيرازي في تبنيه وتطويره لنظرية أصالة الوجود، باعتبار الوجود هو عين الوجود، والماهية هي ذهن الوجود، والعدم نقيض الوجود، قدم تلمسات خطيرة للفلسفة الوجودية الحديثة، بترسانته المفهومية التي تقوم على اسبقية الوجود على الماهية، والوجود المتقابل بالعدم، والوجود المتحقق المتعين في ههنا- الوجود (الدازين عند هيدغر) إضافة إلى المنهج الظواهري الذي يطابق الحقيقة والوجود في الحركة الجوهرية (الحركة الكلية Holo Mouvement في الفيزياء الكوانطية الحديثة).

بعدما ما ينيف على ستة قرون من الانحطاط الفكري، والركود والتقليد والاتباع يدخل العالم الاسلامي من جديد إلى العصر الحديث، في استجابة فكرية لمؤثرات التثاقف الغربي -المحلي، عبر تيار اليقظة الذي يتبنى مبدأ الاصلاح، متأثراً بالنظرية التطورية évolutionnisme التي دخلت في حينه إلى علوم الانسان والأديان على حد سواء.

مثّل الإمام محمد عبده هذه النزعة التطورية التي عاصرها في القرن التاسع عشر، وتبنى عملياً نوعاً من الإسلام التطوري، أي الإسلام القابل لمنطق التطور وقانونه.

واستمر خط الإصلاح الفكري والسياسي بعد محمد عبده في أجيال المفكرين المختلفين. فيظهر لطفي السيد أحد رواد حلقته لينادي بأول خطاب ليبرالي حديث بالمعنى الغربي، متأثراً بجون ستيوارت ميل ومذهبه في المنفعة Utilitarisme والحرية.

وأدت دعوة عبدة إلى الفصل النسبي بين العبادات والمعاملات إلى ولادة أطروحة تدعو الى الفصل المطلق بينهما، وإلى الغاء الخلافة (علي عبد الرازق- الإسلام وأصول الحكم -1925). أما الجيل الثاني لمدرسة محمد عبده فيمثلها كوكبة من المفكرين: العقاد في كتاباته التاريخية، وخالد محمد خالد في نزعته الإنسية التي يتساوى فيها الأنبياء والحكماء.

أما على صعيد الفكر الفلسفي، فتستمر أفكار محمد عبده من خلال مصطفى عبد الرازق بنزعة فكرية محايرة (تقوم على الخلط بين الرشدية والأشعرية) رغم تميزها بنزعة تنويرية. وينقسم تلامذته بدورهم بين اتجاه عقلاني يمثله محمود قاسم الذي يرى على هدي شيخه في ابن رشد التمثيل الأرقى للفكر الإسلامي، واتجاه عقلي سلفي يمثله علي سامي النشار الذي يرى في الأشعرية التمثيل الأقرب لطبيعة الفكر الإسلامي بوجه عام.

والنشار يستحق وقفة خاصة لكونه من المفكرين السلفيين الذين تركوا أصداء لدى المفكرين المعاصرين. في كتابه "نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام" يرى (مختلفاً عن منهج أستاذه الذي يعتقد أنه كان لفلاسفة الإسلام ثمة أصالة فكرية تجعل لهم طابعاً خاصاً يتميزون به عن فلاسفة اليونان) أن هؤلاء مثلوا دوائر منفصلة عن تيار "الفكر الإسلامي الاصيل" وأن المجتمع الاسلامي قد لفظهم وأعلن أنهم لا يمثلونه في شيء. ويرى النشار بالمقابل أن "الفلسفة الإسلامية الحقيقية" إنما تتمثل في كتابات علماء أصول الدين وعلماء أصول الفقه... وفي كتابه الثاني "مناهج البحث عند مفكري الإسلام" يلتقي المفكر الإسلامي، سلباً، مع الاستشراق التقليدي، إذ يردُّ قصور العقلية السامية (إسلامية كانت أم يهودية) الى "استعداد فطري طبيعي لإنتاج أمر واحد في دائرة واحدة". وهذا الشيء المنتج في رأيه هو التوحيد. ويرى أن العقلية السامية لم تستطع أن تنتج على مدار التاريخ غير هذه الفكرة وحدها، وأن هذه الفكرة لم تنشأ لدى هذه العقلية تبعاً لتفكير طويل واستدلال منظم وانتقال عقلي من حالة إلى حالة أخرى، وإنما انبعثت فيها نتيجة لعوامل واستعدادات في صميم الجنس نفسه، والاستعداد الجنسي المزعوم يعتبره النشار خاصة يدعوها "غريزة التوحيد"· وتلك النظرية هي صدى مباشر لأفكار أرنست رينان في كتبه المختلفة (ابن رشد والرشديه، الإسلام والعلم) والمستشرق لابيه Lapie "الحضارات التونسية" الذين يذكرهم الكاتب ويستشهد بهم في كتابه "نشأة الفكر الفلسفي".

هذه النظرية تعتبر الإسلام وضعاً من أوضاع الحياة العملية فحسب، بينما الفلسفة بحث مطلق في الوجود من حيث هو وجود.



الوجودية:

رغم ذلك ستبرز إلى الوجود مع أحد آخر تلامذة عبد الرازق الأحياء (عبد الرحمن بدوي) أول محاولة نظرية تعطي الأولية للوجود على الماهية في كتابه "الزمان الوجودي". ووجودية عبد الرحمن بدوي تقتبس أصولها من جناحي الوجودية، الروحاني ممثلاً بـ كيركيغارد وياسبرز، و"المادية" الممثلة بهيدغر وسارتر مع ميل نسبي للآخرين. وتتحدد نظريته الفلسفية بأولوية الوجود على الماهية، والذاتية على الكلية. والوجودية بنظر الفيلسوف المصري تقوم على نبذ الكلية الهيغلية، التي تظل حتى باعتبارها كلية متقومة غير كافية، ولكونها لا تمثل إلاّ الوجود العام الذي ليس وجوداً حقيقياً، وإنما وجوداً اسمياً، تصورياً. أما الوجود الحقيقي فهو الوجود الجزئي، والفردي، إذ إن الوجودية هي الفردية، والفردية هي الذاتية، والذاتية تعني الحرية، والحرية معناها وجود الإمكانية.

ويعتبر بدوي أن كل وجود غير الوجود المتزمن بالزمان هو وجود باطل، وأن السرمدية المضادة للزمانية هي وهم وإحالة إلى اللاشيء، والزمان هو العلة في تحقيق الإمكان، لكن الإمكان لامتناه، واللامتناهي لا يمكن اجتيازه والكلية غير ممكنة، وهذا ما يجعل النظرة العربية للدهر سلبية "وما يهلكنا إلاّ الدهر" تلك النظرة التي يعترض عليها بدوي بالحديث المنسوب للنبي (ص) "لا تسبوا الدهر فإن الدهر هو الله". والمشكلة بنظر بدوي هي وجود أو لا وجود، فإن كان وجود فلا بد من الزمان، أما بدون الزمان فثمة لا وجود، لأن الزمان هو المقوم الحقيقي للوجود، كما هي الحال عند هيدغر في الوجود "الآني" Dasein.

وإذا كانت نظرية اصالة الوجود العيني متمثلة في نظرية عبد الرحمن بدوي في الوجودية الزمانية، فإننا نجد ان الوجود -في - العالم، عند بدوي وهيدغر وسارتر، لا يقوم على الاعتراف وإنما على الاختلاف الراديكالي (الخلاف) إذا تتمفصل الآنية عند هيدغر حول بنية مثلثة الأبعاد الانطراح في الوجود، الوجود، الكينونة الاتباعية. والوجود الاتباعي عند هيدغر يعني تمفصل الآنية في وجودها وسط الكائنات الأخرى، معها. وإذا كان الوجود- في - العالم، هو مكان تحقق الامكانيات، وكل غائيات المعنى، فإن الآنية لا تصبح هي ذاتها إلا بعدم اختلاطها مع الكائنات الأخرى. إذ ان الوجود - مع- الغير من شأنه - بنظر هيدغر- ان يزيف الوجود الحق.

والذاتية الراديكالية عند هيدغر تقدم الأنوية على الغيرّية، والفردية على الجماعية، وهي، إذن، ذاتية متمحورة على الذات، تجد امتدادها في فلسفة سارتر الوجودية- الذاتية التي تتميز بحكم حريتها المطلقة بقدرتها على خلق ذاتها، باستمرار، والاستغناء عن كل ما عداها.

ومن جهته يعتبر فيلسوفنا المصري ان الوجود الذاتي هو وجود مستقل بنفسه، في "عزلة تامة" من حيث الطبيعة، عن وجود الغير، ولا سبيل إلى التفاهم الحق بين ذات وذات، إذ كل منهما عالم قائم بذاته، وحده، ولا تنتقل الذات من العزلة المطلقة إلى الغيرية، لتحقيق الإمكان والفعل والإتصال بالغير، كأداة لتحقيق الامكان (عبد الرحمن بدوي، الزمان الوجودي، دار الثقافة، بيروت 1973، ص 153 - 154).

و"ذاتية" عبد الرحمن بدوي الوجودية ترجح الإثرة على الإيثار، باعتبار أن الذات في سعيها إلى تحقيق إمكانياتها لا تتوقف عند حد، حتى تحقيق الامكانية المطلقة (الموت).



الشخصانية:

وامتداداً للتراجيدية الوجودية الكيركيغاردية التي تنظر إلى الوجود الفردي كذاتية، وللإنسان كنوع وجودي شخصي، ظهرت فلسفة وجودية شخصانية تعتبر الإنسان- الشخص ككائن- فاعل هو الشكل المطلق للكينونة، باعتبار الذات هي التوكيد- الذي لا يقبل التخفيض- للحرية.

من الرموز المعروفة لهذه الفلسفة في الفكر الغربي ماكس شيلر الذي يعتبر الشخص هو الجوهر الفريد للكائن· وغبرييل مارسيل الذي يرفض الخطاطة الديكارتية للذاتية التي تحكم على الفاعل بالتجزّر ( من جزيرة)، ويرى أن الذاتية هي ذاتية نسبية بالقياس إلى ذاتية "الآخر". وكان شارل رينوفييه أول من استخدم مصطلح "شخصانية". وهو يعتبر أن الشخص هو "نوع الأنواع". أما إيمانوييل مونييه فيؤكد في فلسفته الشخصانية على وحدانية الفرد- الجماعة.

تركت الفلسفة الشخصانية أصداءها لدى مفكرين عرب عدة الأول هو محمد عزيز الحبابي، وهو صاحب دعوة إلى فلسفة شخصانية إسلامية. والثاني هو رينيه حبشي، وهو صاحب دعوة إلى "شخصانية متوسطية". ولا ننسى كتابات وترجمات البرُفسور محمود جمّول الشخصانية في لبنان أيضاً (راجع ترجمته لكتاب ايمانويل مونييه - الشخصانية - دار عويدات).

الشخصانية الإسلامية عند الفيلسوف المغربي الحبابي تعتبر الكائن- الإنسان، وحدة دينامية، منفتحة على الصيرورة، ليس فقط باعتبار الكائن، القاعدة التي تقوم عليها الشخصية، وليس أيضاً "جماعة أشخاص" كما هو الأمر عند مونييه، وإنما التفتح الكامل للكائن المتشخصن في التحقق الإنساني.

والكائن الإنساني بنظر الحبابي هو كائن متحيّن، محسوس، ذو أصل حي ما قبل وجودي منفتح على تناهٍ ممكن في الكون Etre وما سيكون. في كتابه "من الكائن إلى الشخص" لا يعالج الحبابي موضوعة الكائن باعتبار طبيعة الوجود أو اسبقيته، وإنما النشاطية الوجودية للكائن، المتمفصلة حول الحياة بالعلاقة مع "النحن" في العالم، تلك النشاطية النابعة من طاقة خلاقة تغذي الوجود بماهيات متجددة.

إلاّ أن الفيلسوف المغربي رغم هذه الأطروحة التي توحي بفلسفة وجودية حرّة، ورغم تبنيه لفلسفة الإرجاء التي تقدم الإيمان على العمل، باعتباره اعتقاداً باطنياً، وتجربة حرة يعود في كتابه "الشخصانية الإسلامية" ليؤكد أن شخصانية بدون فرائض دينية هي شخصانية بروميتيسية، ويرى أنه لا مجال في الإسلام للتمييز بين ما هو ديني وما هو علماني باعتباره ديناً ثيومركزياً يوحد توحيداً تاماً بين الايمان والعبادات والمعاملات.



الفلسفة الجوانية:

يعتبر برغسون أن العقل لا يعطينا إلا نظرة منقطعة عن العالم، وأنه يقطع الواقع المتحرك ويجمّده. والزمان الذي يقاس بالدقائق والثواني ليس إلا وصفاً مجرداً للتجربة المباشرة، تجربة الديمومة. وأن لغة المعرفة ليست بالضرورة لغة الباطن والحياة، وأن العلم يضع العلامات والفرضيات، وخارج الخطوط الذهنية التي ترسمها المعرفة العقلية تكمن حقيقة لا يتوصل الإنسان إليها إلاّ بالحدس. وعلوم العالم الخارجي وليدة الكم، إنما تحتاج إلى علاقات ثابتة، ويمكن قياسها، أي تحتاج إلى أرقام وأشكال، وإلى مكان، اي الى مجال خاضع للقوانين الرياضية· أما الحياة الداخلية فتجهل الكم والمكان، لأنها مجال الكيف، والزمان الداخلي الذي لا يمكن قياسه، ليس الزمان الذي نتصوره بعادتنا العقلية، أي الزمان الموضوعي، زمان المزولة والساعة. والحياة النفسية عند برغسون هي تيار من الظاهرات المتنوعة، والكيفيات المتصلة، بخلاف الظاهرات المادية المنفصلة، المتمايزة، المتعاقبة، والمتقطِّعة.

إنها كيف بحت مباين للكم، على حين أن المادة متجانسة في أجزائها الكمية. وبما أن كل تعريف هو تحديد، فالديمومة لا تتعرف إيجاباً إلاّ بكونها صيرورة الأشياء. وهي الزمان المعاش في الفعل، وفي التدفق الحيوي، في جوانية الظاهرة.

يميّز برغسون بين "أنا" جوانية حقيقية وأنا سطحية· والفعل المتميّز للأنا العميقة لا يمكن تفسيره بأية سببية باعتبار أن السببية عامل تبادلي، بينما في الفعل الكلي تصبح الأنا الكلية أنا واحدة لا تفسر إلاّ بالعلية الدينامية، وهي علّية بدون ضرورة، تقوم على التضامن والتعاطف في علاقة الأنا مع فعلها. وعلى أساس هذا التمييز بين الأنا الجوّانية والأنا السطحية يفسر برغسون مشكلة الحرية. إن إنيتنا العميقة تنساب في ديمومة خالصة لا شأن لها بالمكان. هي إنية حرة، ونحن لذلك أحرار بمقدار ما نكون كذلك بذواتنا العميقة، وبمقدار ما يحمل الفعل طابع شخصيتنا. والحرية هي تحقق الذات، وهي الفعل المطابق لهذه الذات. ولذلك فإن كل تعريف للحرية يخالف الحقيقة.

برزت النظرية الحيوية لـ برغسون في مجال فكري جديد في القرن العشرين. فقبل نظرية النسبية كان الناس يرون على العموم أننا إذا أخذنا حادثتين أو ظاهرتين، كانت إحداهما، دائماً وحُكماً، إما متقدمة وإما مصاحبةً، أو متأخرة على الأخرى في الزمان، فجاء أينشتين فأكد عدم خضوع كل الظواهر لزمان موضوعي واحد، باعتبار أن الظاهرة نسبية قد تبدو في حالة مصاحبة، وفي حال أخرى متعاقبة، بحسب شروط المكان أو الوضع أو السرعة. وقبل ظهور الميكانيكا الموجية كان من المسلم به أن الظواهر في الطبيعة متصلة، فأثبتت هذه النظرية أن الذرات تنبعث بنفخات كوانتية، أي بحزمات من الطاقة غير متصلة. وأثبت العلم أيضاً أن الإلكترون هو عبارة عن موجة. فيما أكدت الميكانيكا الموجية على مبدأ اللايقين، وأصبح من المعترف به استحالة ضبط قياس الإلكترون بصورة تامة.

تلك هي أصول "الفلسفة الجوّانية" العربية عند المفكر عثمان أمين التي برزت في حقبة الستينات. يعرف أمين الجوّانية بأنها عقيدة مفتوحة تأبى الركون إلى مذهب أو الوقوف عند واقع، وهي فلسفة تتجه إلى المعنى والقصد من وراء اللفظ والواقع، وتتحول إلى الفهم والتعاطف لا الحفظ والتقرير، وتدعو إلى العمل البناء مؤسساً على النظر الواعي، وهي تلتفت إلى الإنسان في جوهره وروحه لا مظهره وأعراضه. والجوانية هي فلسفة تقدم الذات على الموضوع، والفكر على الوجود.. والإنسان على الأشياء والرؤية على المعاينة، والتمييز بين الداخل والخارج، وبين الكيف والكم، وبين بصر العقل وبصر العين.

والجوّانية عند عثمان أمين تنطوي على ضرب من الميتافيزيقيا يسميها المفكر ميتافيزيقيا الرؤية الواعية، وهي بنظره ليست الرؤيا الحسية الفيزيولوجية، وإنما رؤيا العين الداخلية المرادفة لرؤيا البصيرة عند الغزالي، و"عين الروح" عند أفلاطون و"رؤيا القلب" عند باسكال. والفكر الميتافيزيقي هو في صميمه تأمل في العلاقات بين الروح والوجود. والنظر الميتافيزيقي بعكس النظر التحليلي المنطقي أو التجريبي الحسي يقربنا من كينونة العالم، فلا يكون الوجود في هذه الحالة مفروضاً علينا من الخارج، وإنما نحققه نحن بما نمنحه من تصديق وما نقدر له من قيمة.

والجوانية عند عثمان أمين تغلّب الماهية على الوجود، ولكن ليس الماهية "الموضوعية" الأفلاطونية، وإنما الماهية المتقومة "المباشرة" كما هي عند برغسون. وهو صاحب دعوة إلى إعادة النظر في المفهوم التقليدي للحقيقة. فبدلاً من أن يكون "مطابقة ما بالأذهان لما بالأعيان" كما هي الحال عند الحسيين والوضعيين، أو "مطابقة ما بالأعيان لما بالأذهان" كما هي الحال عند النقديين والمثاليين، يصبح كل ما يتجاوز العلاقة بين الفكر والوجود، أو ما بين الأذهان والأعيان.



تاريخية/تاريخانية

في كتابه العرب والفكر التاريخي (1973) يقدم عبد الله العروي تساؤلاً نقدياً جديداً يدشن فيه مرحلة جديدة في تاريخ النقد العربي. ففي معرض بحثه في أسباب وعوامل التأخر التاريخي، يرد هذا التأخر لعدم وجود مرحلة ليبرالية في حياة العرب في تاريخهم الحديث. ويرى المفكر المغربي في التراث الليبرالي، ذلك النظام الفكري المتكامل، الذي تكوّن في القرنين السابع عشر والثامن عشر، والذي حاربت به الطبقة البورجوازية الأوروبية الفتية، الأفكار والانظمة الإقطاعية. وبرأيه فإن هذا التراث لم يتجسد ابداً في بلد ومجتمع معين بكيفية تامة، وإن الروح الإنسية والعقلانية التي تخلت أوروبا عن قيمها التحررية، تظل صالحة للتبني والتضمين.

ويرى العروي في الماركسية "التاريخانية" نظرة قمينة بردم هوة التفاوت التاريخي، بما هي وعي متزامن بين متفاوتات زمنية.

والتاريخانية عند العروي، أي فرضية التاريخ كاتجاه واحد ومعنى كما يعرّفها هي طابع ما هو تاريخي وغير وهمي fictif، أو هي الكائن المدروس في التناهي والزمانية- إذا جاز لنا استعمال تعبير هيدغر المقارن-.

ما يميز التاريخية Historisme عن التاريخوية Historicisme أن النزعة الاولى تعتبر أن الظاهرة (دين، أخلاق، حقوق) هي نتاج وخلق جماعي لاواعٍ ولا إرادي، يصبح واعياً وناجزاً في لحظة التأمل الفكري، وهو بالمحصلة ما لا يمكن تعديله قصدياً ولا فهمه واستيعائه إلاّ بالدراسة التاريخية.

أما التاريخوية، بعكس التاريخية فلا تعترف للظاهرة إلاّ بالذاتية التاريخية المباشرة والمحسوسة لفهم واستيعاء المعنى الداخلي لها.

لكن المثقفين العرب والمسلمين، بارتكازهم على تطويرات العلوم الإنسانية الغربية، تجاوزوا "تاريخانية" (كونت، فويرباخ، رينان) تُجُوِزَتْ في القرن العشرين رغم شرعية الدعوة إلى إعادة الاعتبار إلى فلسفة الأنوار المقترنة بها. علوم الإنسان المتطورة هذه (البنيوية، فينمنولوجيا الأديان، علم التاريخ الحوْلي، الألسنيات، الاثنولوجيا) إضافة إلى النظريات الحديثة في العلوم الطبيعية (النظرية الكوانتية والميكانيكا الموجية) قد أفسحت في المجال لنقد النزعة التاريخوية ووضع حد لها.

يرى مارشيا إلياد عالم الأديان المقارنة أن التسليم بتاريخية التجارب الدينية لا يتضمن تخفيضها إلى أشكال من السلوكيات غير الدينية، فالتأكيد على أن المعطى الديني هو دائماً معطى تاريخي لا يعني أنه قابل للرد إلى تاريخ اقتصادي أو اجتماعي أو سياسي. وبالنسبة لكلود ليفي- ستروس فإن خاصية الفكر البرّي هي في كونه ظاهرة لازمانية، تلتقط العالم كوحدة تزامنية- تطورية.

أما النظرة الكوانتية ونظرية الميكانيكا الموجية فقد أكدتا على مبدأ اللايقين والمعرفة الاحتمالية (كما ذكرنا سابقاً ) الأمر الذي يخفف من غلواء الأحكام القاطعة في تفسير الطبيعة وما بعد الطبيعة.

في تقليبه لمفهوم التاريخية يجد محمد أركون أن المدلول الأول لمفهوم تاريخية كان يتعلق باستخدام له، استعملته الفلسفة الوجودية، يمتلكه الإنسان في إنتاج سلسلة من الأحداث والمؤسسات الثقافية التي تشكل بمجموعها مصير البشرية.. من حيث كونه مقولة وجودية· والاستخدام الحديث هو ذلك التعريف الذي دعاه آلان تورين بالطبيعة الخاصة التي تتميز بها الأنظمة الاجتماعية التي تمتلك إمكانية الحركة والفعل على نفسها بالذات، وذلك بوساطة مجموعة من التوجهات في قلب المجتمع كمبدأ منظم لحقل العلاقات والممارسات· أما المعنى الثالث للتاريخية فيعني تلك الخاصية التي يتميز بها كل ما هو تاريخي، أي ما ليس خيالياً او وهمياً، والذي هو مُتحقق منه بمساعدة أدوات النقد التاريخي. وهذا المفهوم الأخير يتطابق مع مفهوم التاريخانية الذي يرى المفكر الإسلامي أنها تعترف صراحة بفرضيات فلسفية أو إيديولوجية، وسواء قيل إنها تاريخانية ميتافيزيقية، أو تاريخانية وضعية (علمية) فإن الهدف منها هو التبرير لقيم دينية أخلاقية، أو سياسية، وحتى ثقافية، وتأصيلها، وذلك عن طريق التلاعب بالتاريخ وتوجيهه باتجاه خطي.

يتطرق أركون إلى موضوعة التاريخية في سياق منهجي كرس له العديد من الدراسات والكتب. فالمفكر الإسلامي يتهم "عقل الأنوار" بأنه أحل العقل محل العقيدة بدون إقامة شروط المعقولية على أسس سيميائية تتلاءم مع كل الثقافات. وعلى هذا الأساس يدعو أركون إلى تطبيق مناهج علوم الإنسان الحديثة على التراث الإسلامي لإبانة المعنى الدلالي أو ما يسميه اللامفكَّر فيه في النصوص الإسلامية.

وعند أركون العالم الإسلامي يتمتع بميزة هامة هي غياب الكهنوت، تلك الميزة التي تسمح بإقامة علاقة مباشرة بالله بدون وساطة. إلاّ أن الإسلام يواجه عقبة من طبيعة دولتية منذ الدولة الأموية، هذا التدويل الإيديولوجي للدين الذي ما نزال نشاهد مظاهره هنا أو هناك في العالم الإسلامي.

ويرى أركون أن المقاربة الحديثة ينبغي أن تساعد في إدراج التقوى والإيمان في إطار حداثة هي نفسها في صيرورة، وهنا ضرورة علم كلام إسلامي جديد ومتجدد. ومن أجل ذلك يرى المفكر، ضرورة القطيعة مع العقل العلمانوي، والعلموي، والتاريخوي، من أجل عقل جديد منفتح على المعالجة السيميائية للثقافات، وفي سبيل علمانية جديدة كموقف دينامي للروح أمام المعرفة.

ويرى أركون أن التكلم على التاريخية،مع ذلك، بشكل واعٍ ومعقول في مجال إسلامي ما، أمر ضروري من وجهة نظر ذاتية (وجهة نظر الباحث) لكنه خطر من وجهة نظر موضوعية، باعتبار أن النقد التاريخي المطبق على القرآن والحديث والفقه، والذي طبق سابقاً على الشعر الجاهلي، وموضوعة الخلافة، كان قد أثار ولا يزال يثير حتى الآن، ردود فعل عنيفة من قبل المجتمع الذي يشعر بأنه مهدد في حقائقه المطلقة وقيمه المحورية. أما العلم الوضعي فقد أدى في الغرب دوراً نقيضاً مثبطاً، فما بالك في المجتمعات الإسلامية التي تشعر بالحاجة إلى حشد جهودها وتكريس وحدتها القومية من أجل تجاوز التوترات الداخلية.

فلسفة الاختلاف:

قبل نيتشه كانت الفلسفة مع الديالكتيك الهيغلي تتحدد بالتضاد والتعارض والتناقض، مع نيتشه حل الاختلاف محل الإئتلاف، والتأويل محل التعارض، والغيرية مكان الهيهية، والتخالف بدل التناقض، وإرادة القوة في مقابلة الإرادة· وفي ابطال النظرة الثنائية، والبينية، والهيهية (التطابقية ) لا تعترف فلسفة الاختلاف بأية ماهية جوهرية للشأن، وتنطوي الهوية على تعددية تفاضلية، تقوم على عينية متكثرة في ذات الهوية؛ وذات الشيء. و"ذات الشيء" لا تعني الشيء - في - ذاته en soi، وإنما الشيء المتغير، المتكوثر، المتعدد، بمنأى عن كل نظرة ثنائية أو تعارضية أو بينية.

في هذا الإطار تندرج محاولة مطاع صفدي للتأسيس في المختلف في كتابه "نقد العقل الغربي".

وسؤال الفلسفة عند المفكر مطاع صفدي هو أيضاً سؤال الكينونة الوجودي المنفتح على التيارات النقدية الغربية المعاصرة ( الجينيالوجيا النيتشوية، البنيوية، مدرسة فرانكفورت إلخ ...). والوجود عند صفدي هو وجود الآنية (الدازين) أو الوجود الزماني - في- العالم. والزمن الأساسي لهذا السؤال مستقبلي يتوجه إلى الممكن، وليس ثمة ممكنات إلا في المستقبل (ديودورو، هيدغر). ولا ينقذ الفكر المنفتح على سؤاله من الحلقة المفرغة، من هوة اللاشيئية إلا دخوله في صيرورة الزمان. وكما أن الجبر مركب من الكوسمولوجيا والأنطولوجيا معاً، فإن أطروحة الدازين هي المركب الكوسمولوجي- الأنطولوجي باعتبارها كينونة العالم.

أما ماذا عن السؤال العربي للفلسفة؟ فالإجابة أنه إذا كان هيدغر قد سعى بكل جهده أمام سطوة التقنية أن يجعل إنسان المشروع الغربي يذكر - أنه- ينسى - الكينونة، فإن المسألة بالنسبة للمشروع الثقافي العربي أن أنسانه يعيش في - الزمان أو تحت- الزمان، أو دون - الكينونة، بدون أن يكتشف لحظته الإنسانية الخاصة في الكينونة.

والسؤال العربي للفلسفة برأي صفدي يفترض كينونة الفلسفة قبل أن يشرع في فعله ويكون هو الفاعل actant· إذ هو سؤال لم يحقق لحظة إبستمية واحدة في تاريخه المعاصر. ولذلك يريد هذا السؤال أن يتخطى حاجز الترائي في علاقة الذات بالآخر، القائمة على إزدواجات التخلف/ التقدم، والأصالة/ المعاصرة· وهو لم يدخل عتبة الحداثة بعد في زمان الحداثة- البَعدية.. وقد أدى وقوعه ضمن المزدوجات إلى تشكل خطاب فكروي إيديولوجي مارس في خلالها فعل الترائي بين صورة الذات والآخر (الترائي عملية فيزيائية ضوئية تقوم على الانعكاس المتبادل، مرآة ترى نفسها في مرآة أخرى). هل يمكن للسؤال العربي أن يخترق حاجز الترائي؟ على هذا السؤال يجيب صفدي بأن المثاقفة هي الحل للخروج من لعبة الترائي والمشاكلة، ولكن ذلك يشترط عودة إلى الفلسفة، إلى اللامفكر فيه، إلى سؤال الاختلاف والكينونة، وبرأيه لا يمكن لهذا السؤال أن يجد نقطة البدء إلا عندما يمتلك السؤال الفلسفي للفلسفة. وعند ذلك تفارقه غربته، ولا تحاصره خصوصيته، بل يجد خصوصيته في شمولية تحوله الفلسفي (مطاع صفدي، نقد العقل الغربي، مركز الانماء القومي، بيروت، 1990).

والخطاب الفلسفي عند مطاع صفدي، لا نجده دائماً في هذا الوضوح والشفافية،إذ يغلب على لغته الفلسفية نوع من التعقيد اللفظي الذي يشبه إلى حد كبير "لغة" هيدغر العويصة. وإذا كان صفدي يبرّر طريقته في الكتابة بضرورات المفهمة والتمعين، فإن التمعين يقوم قبل أي اعتبار على الحرص على الايصال والاعتناء بدلالة المعنى، باعتبار أن سؤال الكينونة كما يقول هولدرلين، وعلم السيمياء الحديث، هو سؤال لُغوي، وهذا يستدعي أن تكون لغة الكينونة في شفافية الكينونة.

كيف أجاب المفكرون العرب على سؤال الفكر؟ هل قام الاختلاف على الاعتراف، أم وقع الاختلاف عينه في حمى النقض والتقويض والخلاف فأدى إلى أشكال محدثة من اشكال الأصولية والتكرار والإئتلاف والتطابق.

رأى البعض (د. حسن حنفي) في العودة إلى "التراث" احياء للأصول، ووجد الاصول التكوينية للهوية، ولا طروحات الزمن المعاصر والحديث في مقالات ومقولات علم الكلام الأصولي، كما هو بذاته ولذاته، وهذه الأصول أساسها الحقيقة "التي جمعها ابن رشد وحياً [فيما] جمعها أرسطو عقلاً"! أي هي حقيقة أسسها المفكر المعاصر على المؤتلف لا على المختلف والجديد: في مقابلة أرسطو نضع ابن رشد والأشعري والماتريدي.. وبدل المنطق "علم الأصول"، ومحل الإستشراق "الاستغراب"، وبدل المركزية - الغربية نقوم بإسماء الذات وإعلائها إلى سدة المركزية - الشرقية فلا نحصل والحال هذه إلا على أصولية مستحدثة سرعان ما تدعو الأصولية إلى رفض طلاسمها، هذا ناهيك عن أهل الحداثة؟

وينبري مفكر آخر (محمد عابد الجابري ) كنقيضة للمفكر الأول باسم النقد والعقل والبرهان الرشدي، ولكن الكتابة التي تضع نفسها في خانة الدراسات الأُعلومية ( الإبستمولوجية) سرعان ما تذكرنا بنظرات عقلية- إثنية متخثرة، كتلك التي سادت في مؤلفات غوبينو صاحب "سقوط الغرب" وأرنست رينان صاحب "الإسلام والعلم" و "إبن رشد والرشدية"، وصولاً إلى مؤلفات فوكوياما صاحب "نهاية التاريخ" وهنتنغتون صاحب "صدام الحضارات". وهكذا فيما تضع كتابة مفكرنا العقل مقصداً من مقاصدها الأولى، تنزلق إلى مطب النظرة اللوغوقراطية، واللوغوقراطية- المركزية (المركزية- العقلية المتطابقة مع صورة العقل: العقلاطية). وهذه النزعة، كما بيّنا في مطارح أخرى تحيل المفارقة إلى مطابقة، والمختلف إلى مؤتلف، والفكر إلى دوغماطية عقلية تصنيفية "متعالية"، ترى الحقيقة لا كما رأتها النهضة الغربية في "كتاب الطبيعة" وإنما في "كتب القدماء" وهكذا، ويا للمفارقة، ففيما يعود الغرب إلى الرشدية والأرسطية لتجاوزهما معاً في عصر النهضة، يظل مفكرنا المعاصر في نهايات القرن العشرين قابعاً عند أعتاب "البرهان" الأرسطي والرشدي؟

ويأتيك مفكر ثالث فذ ليطابق العلم بالإيديولوجيا باسم المادية الجدلية والتاريخية، باعتبار الماركسية "تحليلاً ملموساً للواقع الملموس" ومن هنا الإدعاء بالعلمية والمطابقة، بنوع من الهيغلية المقلوبة لعلاقة الفكر بالواقع، الوعي بالمادة، الذات بالموضوع، والعقل بالوجود.



"وحدة " المصير ودراميته:

ويختزل مفكرنا الشهيد (حسين مروة) كل ما هو وجودي وعقلي وسببي ودهري وتطوري وبرهاني في التراث في إطار "المادية". كما يختزل كل ما هو ثيولوجي وميثولوجي، وقدسي، وسامي، وعرفاني وكشفي، وعجيب، وتأملي في إطار "المثالية"، علماً بأن هذه الأبعاد تبادلية في الأثر التراثي، والنصوص، في الكيفية الظواهرية للأشياء والموضوعات.

والنزعة المادية يجدها مفكرنا عند ابن رشد والفارابي واخوان الصفا وأبي بكر الرازي والمعتزلة في نزعات هي بالأحرى عقلية وطبيعية وقدرية ومنطقية صورية لا يمكن فصلها عن سياقاتها المعرفانية لا بمعناها المادي فحسب، بل بمعناها المادي والعقلي والروحي والميتافيزيقي على حد سواء. والفصل بين ما هو مادي وروحي في فلسفة العقل والنقل عند الكندي، والقدرية والعدل عند المعتزلة، والمشائية والإشراقية عند ابن سينا، والفيض والتجلي عند الفارابي، والقدم والحدوث عند ابن رشد والرازي، هي كفصل اللحمة عن السدى؟!

ولا يلاحظ مفكرنا الكبير التطورات المابعد- نيوتونية في الفيزياء الحديثة التي تضع مفهوم "المادة" الكلاسيكي في موضوع النقد والمراجعة. ولا يلتفت إلى أن الفيزياء الحديثة قد أحلّت مفهوماً أكثر دينامية محل مفهوم "المادية" الكمي الستاتيكي هو مفهوم المادة- الطاقة، الكيفي ذو الطراز المَوْجي والجدلي اللامعياري واللاقياسي، الأمر الذي يضع الاحتمال والصدفة والديمومة في قلب المادة، بمنأى عن أية مطابقة حتمية وضرورية وحدّية. ومقابل المادة الفجة تظهر لنا النظريات الحديثة مادة رهيفة ذات خصائص فيزيائية وبيولوجية، لا بل اجتماعية واقتصادية تكاملية وتبادلية في سويات العوالق المتبادلة الفروع والمتبادلة- الاعتماد، على أصعدة الفكر والطبيعة والمجتمع، ولكن في وحدة وجدل الحركة الكلية للوجود الظواهري.

ودرامية المصير، تجعل من شهيد الفكر الألوهي، محمد باقر الصدر، يُدرك ما لم يدركه شهيد الفكر المادي حسين مروة، ولو ابتعدنا عن منطق التناقض والتعارض، وأدرجنا الفكر المادي بالفكر الالهي، في جدلية الاختلاف والاعتراف، لوجدنا أن المفكر الأصولي يكمل المفكر المادي، بمنأى عن التفنيد والتكفير. في كتابه "فلسفتنا" يستعرض محمد باقر الصدر نظرية المعرفة، في نقده للإتجاهات الوضعية العقلية، والتجريبية، والماركسية، مستنداً إلى نظرية أصالة الوجود، والإمكان الوجودي، للفيلسوف صدر الدين الشيرازي. ومفاد هذه النظرية عند الصدر ان الحقيقة هي حقيقة تعلقية - أو علائقية بلغة الفلسفة الحديثة-. وبناء على هذا فليس الوجود الخارجي محكوماً بمبدأ العلّية، بل إنما يحكم مبدأ العلّية على الوجودات التعلقية، والعلاقة بين العلة والمعلول ليست ميكانيكية، ولا ديالكتيكية تقوم على (الأطروحة والطباق والتركيب) بل علّية متعاصرة. وهي علية تقوم على الحركة، والحدوث المستمر، الذي يقوم على مبدأ الحركة الجوهرية(محمد باقر الصدر، فلسفتنا، دار التعارف للمطبوعات، بيروت 1401، هـ 1989).

ويرى السيد باقر الصدر أن مبدأ العلية نفسه محتاج إلى مرجح وعلة، في سلسلة الوجود، أو في تسلسل العلل والأسباب، وبطلان التسلسل يقتضي وجود عله فاعلية، وصانع "خارج" عن حدود المادة ومغاير لها.

ويستشهد الفيلسوف الاسلامي بنظرية الكوانطا، التي تفيد بإمكانية تبديل المادية إلى طاقة، باعتبار ان كتلة الجسم نسبية، وليست ثابتة، وبذا تتحول المادة إلى طاقة والطاقة إلى مادة· وبغض النظر عن دوافعه العقائدية، فالاستنتاجات الفلسفية التي يتوصل اليها الفيلسوف الإسلامي صحيحة وأكيدة، إذ يرى ان الكتلة ليست إلا طاقة مركزة، وان المادة هي موجة كهربية. ويستنتج بأن المادة الأصلية للعالم، حقيقة واحدة عامة في جميع مظاهره وكائناته، ويتوصل الى نتيجة تقول بأن الجزء الذي لا يتجزأ (الذرة اللامتناهية في الصغر بلغة الفيزياء الحديثة) ليست مسألة علمية، وانما مسألة فلسفية. ويريد ان يقول بذلك أن ثمة بُعد ميتافيزيائي في الفيزياء الطبيعية.

والنظرية الكوانطية تؤكد على الطابع الكهرو-مغناطيسي للذرة اللامتناهية في الصغر، باعتبار ان الإلكترون هو عبارة عن موجة، وأن المادة ذات طاقة تموّجية، غير قابلة للقياس، وهذا الأمر يؤكد على الطابع الإحتمالي في نظرية المعرفة، وعلى عدم كفاية النظريات العلّية والحتمية في المجال الميكروفيزيائي.

كما تؤكد البيولوجيا الكونية بأن الكون عبارة عن وحدة عضوية تشمل الكائنات، في وحدة الطبيعة والكينونة، ووحدة الحياة في الحركة الكلية Holo Mouvement، وهي حركة خلق وابداع غير خطية ولا حتمية إلا إذا قسناها بمقاييس العقل الخارجية، وإلا فالكائنات في وحدة وجود يتضمن فيه الكل في الكل، أو كما كان يقول جابر بن حيان "في الاشياء كلها وجود للاشياء كلها".

والفرق، إذن، بين النزعة المادية، والنزعة الالهية، ليس في بطلان نزعة وطغيان نزعة أخرى، وإنما في مقام الحكم ومقاله. ففي مجال المادة الماكروفيزيائية يطغى الحكم العلّي والسببي والعقلي والمنطقي، وفي مجال المادة الميكروفيزيائية، اللامتناهية في الصغر، يطغى الحكم الفلسفي التأملي، الميتافيزيقي، على الحُكم الفيزيقي. هل تستدعي جدلية الطبيعة أن يكفّر الالهي المادي، أو أن يفند المادي الالهي؟ أم أن إدراك مقام الحكم ومقاله يجعل من اعتراف الواحد بالأخر، وجهان للتعدد والاختلاف في المعرفة. وإذا قيل "إن الاختلاف رحمة" فإن الاعتراف أيضاً حسنة وفضيلة وليس مثلبة ونقيصة.



ما بعد النهضة:

تكشف مرحلة ما بعد النهضة غياب عقل كلي يحتكم إليه العرب كمرجعية نقدية، ولا يؤشر نقد النهضة إلى نهضة نقدية جذرية، فما زال طرح الإشكاليات من طبيعة ثنائية يقوم على سيادة حكم القيمة مقابل حكم الواقع، وسيطرة النظرة الإيديولوجية على النظرة التحليلية- التركيبية· والحكم النقدي (Jugement) هو من طبيعة ثنوية واختصارية أيضاً: ثابت/ متحول، حدسي/عقلي، اعتقادي/تقريري، أسود/ أبيض· يرى أدونيس في نقده لعصر النهضة أن ليس هناك بين النهضة العربية والنهضة الغربية أساس مشترك؛ فالنهضة الغربية - برأيه- لم تنطلق من أصل قديم مسيحي- غربي وإنما انطلقت من أصل مغاير، يوناني- وثني، بينما النهضة العربية هي نهضة تلفيقية "أحيت" أجوبة قديمة على مشكلات حديثة. مع أن الكاتب يرى أن الحضارة الغربية تعني التغير - أي النقد والبحث وإعادة النظر الدائمة في الأفكار السابقة، والخلاف بين المحافظة والتجد
boulegreb
boulegreb
membre mbarek
membre mbarek

Messages : 23
Date d'inscription : 11/11/2009

Revenir en haut Aller en bas

نصوص فلسفية Empty Re: نصوص فلسفية

Message  boulegreb Février 8th 2010, 9:03 pm

لطلبة الفلسفة والباحثين تحميل مجاني لكتب سارتر مترجمة للعربية

برز كأحد أكبر الفلاسفة الوجوديين المعاصرين

سارتر..الغثيان.pdf http://www.4shared.com/file/59198311/e320ef77/_online.html

سارتر..الوجود والعدم.pdf http://www.4shared.com/file/59463936/47791ce3/__online.html

سارتر ..الجدار

http://www.4shared.com/file/31075524/cf6cc670/__online.html?dirPwdVerified=da17f0f5

سارتر ..ما الادب

http://www.4shared.com/file/34036615/240d3df5/___online.html?dirPwdVerified=da17f0f5

سارتر المذاهب الوجودية ترجمة فؤاد كامل

http://www.4shared.com/file/34136087/d4104887/______.html?dirPwdVerified=da17f0f5

سارتر ـ الكلمات.

http://www.4shared.com/file/34034112/152f7658/___online.html?dirPwdVerified=da17f0f5

سارتر وآخرون ـ عالم بلا يهود.

http://www.4shared.com/file/31362017/5da06545/_____.html?dirPwdVerified=da17f0f5

سارتر..نظرية الانفعال

http://www.4shared.com/file/34037255/ffd43748/__online.html?dirPwdVerified=da17f0f5

سارترالوجودية مذهب انسانى.

http://www.4shared.com/file/34037793/bcc91f9a/___online.html?dirPwdVerified=da17f0f5

سارترالتخيل

http://www.4shared.com/file/34037366/4c325f06/_online.html?dirPwdVerified=da17f0f5

سارتر..الماديه و الثوره دراسات فلسفيه

http://www.4shared.com/file/37212768/9dbdc219/____.html?dirPwdVerified=da17f0f5

<!--[if !supportLineBreakNewLine]-->
<!--[endif]-->

سارتر..جلسة سرية

http://www.4shared.com/file/52563399/e9e5eb71/___.html?dirPwdVerified=c567dd4b

كتب عن سارتر

امام عبد الفتاح..اقدم لكم سارتر..مترجم.

http://www.4shared.com/file/47125320/a6251e2d/____.html?dirPwdVerified=e58bbdb3

الوجود والجدل في فلسفه سارتر.pdf http://www.4shared.com/file/48174943/e2f5f53b/____.htm
l
boulegreb
boulegreb
membre mbarek
membre mbarek

Messages : 23
Date d'inscription : 11/11/2009

Revenir en haut Aller en bas

نصوص فلسفية Empty الكونية والهوية الثقافية

Message  Admin Février 9th 2010, 2:27 pm

الكونية والهوية الثقافية:
ما الهوية الثقافية
الهوية الثقافية تتضمن القيم أو المعايير القياسية التي تتميّز بها جماعة أو مجتمع عن مجتمع وجماعة أخرى والتي تميّز بها الجماعة بين ما هو جيّد وما هو سيئ، بين ما هو مرغوب وما هو غير مرغوب (5).
في هذا الاطار تتحدد الهوية بالإجابة عن السؤال: مَنْ نحن؟ ما خصائصنا؟ بماذا تتميّز شخصيتنا؟ وبماذا نختلف عن الآخرين؟ ما العوامل المشتركة بيننا؟ ما الثوابت وما المتغيّرات في تكوين شخصيتنا؟ ما التغيّرات التي يمكن أن تحدث أو التي يمكن إحداثها دون أن تتشوّش هويتنا؟
من هذا الفهم فإن المحافظة على الهوية الجماعية يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمطلب الاستقلالية الثقافية، فالثقافة والهوية مفهومان يحيلان إلى الواقع نفسه (6).
غالباً ما تحيل هذه الأسئلة عن الهوية الثقافية المستقلة والتي تميّزنا عن الآخرين على التراث باعتباره هو الذي يشكل شخصيتنا الحضارية وهويتنا الثقافية. ولكن ما التراث؟ لقد لاحظنا عبر أكثر من قرن أن فهمنا كعرب لتراثنا ليس واحداً وليس ثابتاً، بل ظل دوماً شأناً متعلقاً بانتماءاتنا واتجاهاتنا الايديولوجية بالدرجة الأولى، وبالتالي ظل مفهوم الهوية ملتبساً هو الآخر، ومتعدداً بتعدد مصالحنا وأيديولوجياتنا.
نفهم الهوية على أنها كيان تاريخي، وبالتالي خاضع للتغيّر والتبدّل والتطوّر، ولا يمكن فهم الهوية خارج التاريج، ولذلك نلاحظ كيف ارتبط مفهوم الهوية في الفكر العربي الحديث بجملة من المواقف والتصوّرات المتعلقة بالتراث والحداثة والتراث والمعاصرة والأصالة والمعاصرة والشخصية الحضارية والذات العربية والعقلية العربية، هذه المواقف التي اتصلت بدورها بالمواقف من التقدّم والتخلف والتأخر والمواقف من الآخر ومن الانتصارات والهزائم والأزمات. وتغيّر مفهوم الهوية ومضامينها باختلاف مواقفنا من هذه العلاقات.
ولكن مهما كان الأمر فإن الهوية لا تعني الانغلاق على الذات أو على التراث والثبات وعدم التغيّر والتطوّر مما لا يقود إلا إلى التعفن والاندثار والموت، فالهوية ليست كياناً دائماً وثابتاً لا يحول ولا يزول، نشأ هكذا دفعة واحدة وإلى الأبد، استلمناه من أسلافنا دون تغيير ونسلمه بأمانة لأخلافنا دون أن نتصرّف فيه. وحتى لو أردنا ذلك فإننا لن نستطيع، لأن التغيير حادث لا محالة، وهو يحدث رغماً عنا، ومن الأفضل أن نعرف كيف نتعامل مع التغيير من أن يفرض علينا ونحن عنه غافلون.
لذلك فإن تعزيز الهوية بنظرنا يعني القدرة على الاستمرار والتجدد الدائم والحوار النقدي الايجابي مع المتغيّرات الجديدة ومع الثقافات الأخرى، لأن الهوية بغير ذلك مجرّد ذكرى، ولأن الثقافة التي لا تحاور وتتجدد وتتغيّر هي ثقافة خالية من الابداع، وميتة لا محالة، ولا نريد لثقافتنا أن تكون كذلك. وهي لم تكن كذلك عند صعود الحضارة العربية الاسلامية في القرون الثلاثة الأولى حين حاورت دون خوف على الهوية الحضارات السابقة والمجاورة لها فأنتجت النزعة العقلانية في الفكر الديني والمنهج العقلاني في التفكير الرياضي والتجريب كنمط من أنماط البرهان في البحث. ولم تشكل الحضارة العربية، واقعياً، في أي مرحلة من تاريخها نظاماً ثقافياً مغلقاً (7) بل كانت منفتحة على الحضارات والثقافات الأخرى، حتى حين دخل التاريخ العربي في ما يسمى عصر الانحطاط.
هنا يضيف مفهوم الهوية الثقافية التباساً آخر إلى صلة الخصوصية بالكونية حين تجري الدعوة إلى الانغلاق على الماضي ورفض التجديد، وإثارة الخوف من أن المزيد من التغيير سوف يؤدي في النهاية إلى نسيان ماضينا وتراثنا والقضاء على أصالتنا وخصوصيتنا وهويتنا الثقافية. وكأن على العرب لكي يحافظوا على تراثهم وخصوصيتهم وهويتهم وأمنهم الثقافي وأصالتهم أن يحاربوا التجديد. مع أن الهوية الثقافية العربية ستتألق وتتعزز بمقدار قدرتها على التجدد مع الحاجات الانسانية المعاصرة ومساهمتها الفعالة في تجدد العالم.

Admin
inviter a tunisia sat
inviter a tunisia sat

Messages : 101
Date d'inscription : 11/11/2009
Age : 32
Localisation : gafsa elgoussa

https://mbarek-sat.1fr1.net

Revenir en haut Aller en bas

نصوص فلسفية Empty Re: نصوص فلسفية

Message  Contenu sponsorisé


Contenu sponsorisé


Revenir en haut Aller en bas

Revenir en haut


 
Permission de ce forum:
Vous ne pouvez pas répondre aux sujets dans ce forum